التفاؤل من روح الإسلام.. هل يمكن أن نتعلمه؟
بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بجمهورية مصر العربية
لقد مَنَّ اللهُ سبحانه وتعالى علينا بالإسلام، وجعل شرائعه الميمونة المباركة مناسبة لكل زمان ومكان، وجعل التفاؤل يسري بأنواره وأسراره وبركاته في تعاليمه؛ حتى تستقيم الحياة، ويسير المؤمن في طريق الله، موقنا بأن في نهاية هذا السبيل وعد الله بالفوز المبين.
والتفاؤل سر من الأسرار، ونور من الأنوار، يشرح الصدور، ويرمم الأرواح المنكسرة، ويبعث الأمل في القلوب والدروب، ويرسم بسمات اليقين على قسمات الوجوه، وعلى عروش القلوب، وعلى سهول الوجدان…
ولقد حفل القرآن العظيم بمئات الآيات التي تزرع الأمل والتفاؤل في قلوب الإنسان والأوطان، ولقد قاسمت السُّنة الشريفة القرآن في ذلك، بل إن الناظر المدقق في روح الشريعة وشعائر الإسلام يجد التفاؤل يسري في أوصالها.
التفاؤل والابتلاء:
من عظيم رحمات الله بالإنسان أنه لم يجعل الأيام تسير على وتيرة واحدة، أو على نحو رتيب يبعث الملل والرتابة في النفوس والعقول والقلوب، بل نوَّعها وصنَّفها وعبَّدها ومهَّدها للحياة، أرادها الله متغيرة متبدلة متحولة، فيها المفرحات والمنغصات، فيها الخير والشر، فيها الغني والفقر، فيها الصحة والمرض، فيها العطاء والحرمان، فيها الطاعة والمعصية، فيها القوة والضعف… في إطار سُنَّة الابتلاء باعتبارها سنة كونية من سنن الله تعالى، وهو من طبيعة العيش في هذه الحياة؛ فالابتلاء يأتي للتمحيص والفرز والاختبار، ورفع الدرجات، وتكفير السيئات، ويأتي لتصحيح المسار، ولِحِكم كثيرة يعلمها الله، قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)(الكهف: 7)، وقوله: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)(العنكبوت: 2-3). واستكمالا لعطاءاته فقد جعل التفاؤل يسرى في روح الإسلام؛ ليتمكن المسلم وهو في طريقه إلى الله، من العيش الرشيد في هذه الحياة.
التفاؤل منحة ربانية:
والتفاؤل منحة ربانية، له قيمة عظيمة، بيد أنه تتعاظم أهميته وقيمته ومكانته في معترك الحياة… في ضعفها وضغطها، في ملماتها وتحدياتها، في آلامها وآمالها.
لذلك فإن المربين النابهين هم أولئك الذين يزرعون أشجار التفاؤل ويغرسون فسائل الأمل في نفوس النشء؛ لتنمو بتدرج وعناية، ومن ثم تؤتي ثمارها مع دخولهم غمار الحياة.
وعَلَّمَنَا أهلونا، وأساتذتنا -قديما- التفاؤل والنظر إلى المستقبل ببصيرة الأمل، فمن الكلمات التي أُسقينا إياها صغارًا، ونعيش فيها، وتعيش فينا على الدوام (الخير قادم، الخير قادم، الخير قادم… المستقبل يحمل الخير)، فهذه الكلمات –التي يجب أن تكون حاضرة على الدوام في المناهج التربوية، والقوالب الإعلامية، والمناشط الثقافية، والدعوية- كفيلة بإقالة النفوس من عثراتها، واستنقاذها من مثبطاتها… كفيلة بتعبيد سبل الحياة وإصلاحها؛ للسير الآمن المطمئن فيها…
وهكذا أيها القارئ الكريم يظل للتفاؤل أسرار جليلة، وأنوار عظيمة؛ فهو من أهم المعينات الأساسية على انتظام حياة الناس وأشغالهم، وتحقيق الإنجازات، ولولاه لانهزم الإنسان عند اختباره في أول ملمة؛ لذلك حفل القرآن الكريم بعشرات الآيات، بل مئات الآيات التي يشع نورها أملا، وتفاؤلا… ونظرا لأهمية البالغة صار أرضا خصبة للدراسات والبحوث حول العالم.
التفاؤل.. والعلم الحديث:
أكد القرآن الكريم والسنة الشريفة على الأهمية البالغة للتفاؤل في الحياة، سواء للفرد أو الأسرة أو المجتمع، ثم يأتي العلم الحديث ليؤكد ذلك فيكشف عن الحقائق والأسرار عن التفاؤل، وأهميته للوقاية من الأمراض، حيث إنه ينشط أجهزةَ المناعةِ النفسية والجسدية؛ مما يجعل المرءَ على طريق الصحة، والسلامة والوقاية، ومن ثم؛ فمن الأهمية بمكان أن نزرع الأملَ، والتفاؤلَ في النفوس (تفاءلوا بالخير تجدوه).
ذلك لأن التوتر الدائم، واليأس، والقنوط، من مدمرات الصحة النفسية والجسدية؛ إذ تربك أجهزة الجسم وترهقها، وتربك إفرازاتها فتحدث بشكل غير طبيعي، وبناء عليه تُغيّر كيمياء الجسم؛ فتعتل الصحة النفسية، ثم تختل الصحة العامة، وينكسر القلب، ويعيش الإنسان في توتر، وإحباط، وصراع، ومن هنا يكمن سرّ الإيمان، والسكينة، والرضا، والأمل، والتفاؤل الذي يضبط إيقاع المنظومة الصحية للإنسان (النفسية، والعقلية، والجسدية)، لتعمل بشكل طبيعي، وفق التنظيم الدقيق، والإعجار العظيم الذي أبدعه الله الحكيم(1).
التفاؤل وفوائده الصحية والنفسية:
المتتبع للدراسات العلمية الحديثة حول التفاؤل وفوائده الصحية والنفسية، يجد أنها قد أشارت إلى أهميته البالغة للناس، ومن بينها:
- أن التفاؤل يرفع نظام مناعة الجسد ضد الأمراض.
- أن التفاؤل يمنح الإنسان السعادة في بيته، وعمله، ومع أصدقائه، ويمنحه قدرة على مواجهة المواقف الصعبة، ويجعله أكثر مرونة في علاقاته الاجتماعية، ويساعده على التأقلم مع المحيطين به، لا سيما أن الناس يميلون إلى المتفائل، وينفرون من المتشائم.
- أن التفاؤل مريح جدًّا لعمل الدماغ!؛ فعندما تجلس، وتفكر عشر ساعات وأنت متفائل، فإن الطاقة التي يبذلها دماغك أقل بكثير من أن تجلس، وتتشاءم لمدة خمس دقائق فقط!(2).
وبالجملة؛ فإن الدراسات العلميةَ توصلت إلى أن المتفائلين هم: أكثر الناس نجاحًا، وأكثر الناس إيجابيةً، وأكثر الناس تعاونًا، وأكثر الناس إنجازًا، وأكثر الناس حكمةً، وأكثر الناس صحةً، وأطول الناس أعمارًا، بإذن الله(3).
التفاؤل جزء من الإيمان:
التفاؤل جزء من الإيمان، فالمؤمن يفرح برحمة ربه، ويرضى دوما بقضائه، وإن يئس؛ فسيكون ناقص الإيمان، وقد ضرب سيدنا “يعقوب” (عليه السلام) أروع الأمثلة في التفاؤل، فابنه “يوسف”، قد أكله الذئب -كما ادّعو ذلك، وابنه الثاني سَرَق وسُجن -كما أخبروه-، وعلى الرغم من مرور السنوات الطويلة؛ فإنه لم يفقد الأمل في فرج الله، ورحمته، وأمر أبناءه بالبحث الحثيث عنهما، وطلب منهم عدم اليأس من رحمة الله. ويصور القرآن ذلك ببلاغة سامقة: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)(يوسف: 87).
وهكذا فإن المؤمنَ الحقَ هو من يعيش يومه متفائلاً، بلا إفراط، ولا تفريط، ولا يقلق على المستقبل أبدا، يعلم علم اليقين أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، مُسلمًا بقضاء الله، موقنًا أن الخير كله فيه.
العلاج المعرفي.. منهجية لإيقاف تدفقات الأفكار السلبية:
قدَّم مؤسس العلاج المعرفي الدكتور/ آرون بيك (4) – وهو واحد من أكبر الأطباء النفسيين في أمريكا وهو من أكثر الأشخاص نفوذًا في مجال الصحة النفسية والعقلية- قدَّم توصيات مهمة حول كيفية علاج اضطرابات الاكتئاب بشكل صحيح، واكتشف أن المرضى الذين يعانون من الاكتئاب، قد عانوا من تدفقات الأفكار السلبية التي ظهرت تلقائيًّا في أذهانهم.
وقسَّم هذه الأفكار إلى ثلاث فئات رئيسة:
- الأفكار السلبية عن الذات
- الأفكار السلبية عن العالم
- الأفكار السلبية عن المستقبل.
موضحًا أن هذه المعرفة مرتبطة ببعضها البعض، وأن الأفراد المكتئبين يكرسون كثيرًا من الوقت لتحليل “الأفكار التلقائية”، وأنهم يبدأون في اعتبارها أحداثًا حقيقية.
واستطاع “بيك” أن يثبت عمليًّا أن اضطرابات الشخصية المختلفة تنشأ عن التفكير المشوه. وقد ساعدت استنتاجاته وتوصياته في إنقاذ آلاف المرضى حول العالم من خلال العلاج المعرفي لعلاج التفكير المشوه، وإيقاف تدفقات الأفكار السلبية.
وهكذا فإن أحد أهم الأسرار في الحياة، وأحد نقاط العلاج المعرفي، هي أن تكون إنسانًا، وأن تكون متفائلا… أن تتعاطف مع الناس وتتواصل معهم، وأن تتحلى بالتفاؤل تجاه حياتك، لأنك إن فعلت ذلك، فستحظى بحياة أكثر هناء، فهذا هو السر الأعظم في السعادة والبهجة.
تدريب العقل على التركيز على الإيجابيات:
كثير ما يدور في أذهاننا هذا السؤال: هل التفاؤل من الأمور التي يمكن أن نتعلمها؟ أم لا؟ وعندما بحثنا في هذا الأمر، وجدنا أنه يمكننا تعلم التفاؤل. وذلك ما يؤكده د/ آرون بيك بأن تقرر أن تنظر إلى الجانب الإيجابي للأمور؛ لأن كثيرًا من الأمور في الحياة، -وربما غالبها- لها احتمال سلبي أو إيجابي، وبإمكانك النظر نحوها سلبيًّا، أو بإمكانك التركيز على الطابع الإيجابي فيها، وأنا ألاحظ هذا في نفسي مهما حدث، حيث إنني أميل دوما إلى خلق حدث جيد منه، فمثلا: (إذا أردتُ الخروج والاستمتاع بأشعة الشمس، ثم رأيتُ السماءَ تُمطر، فأقول لنفسي: “هذا عظيم”؛ الآن يمكنني الذهاب إلى الداخل، والعمل في كتاباتي)، ويقول: (وإذا اتصلتُ بأحد هاتفيًّا، ولم يجب على مكالمتي، فأقول لنفسي: “هذا جيد؛ لأنه- على الأرجح- مشغول جدًّا”، وهذا شيء جيد بالنسبة له.
إذًا؛ فكلمة السر تكمن في مسألة اختيار موضع التركيز (نركز على السلبيات، أو نركز على الإيجابيات)؛ فالمكتئبون- بطبيعة الحال- يميلون إلى التركيز نحو السلبيات، والعكس بالعكس؛ لذلك فإن جزءً من علاجنا يشتمل على ما نسميه بـ: “مبدأ الإتقان والبهجة”، ومعناه أن تركز على ما أنجزت وما تنجز الآن، مع أنها إنجازات صعبة، بل إن إنجاز الأمور الصعبة يكون أكثر تعزيزًا للنفس، مقارنة بإنجاز الأشياء السهلة.
كذلك فيما يتعلق بالبهجة، فإن الناس عادة يميلون جينيًّا نحو إعطاء السلبيات أكثر أهمية من الإيجابيات، ومن ثم –إذا أردنا أن نتعلم التفاؤل-؛ فإنه يتطلب تدريب العقل؛ ليركز على ما هو جيد، وما ستجده حولك هو أن الأشياء الجيدة تحدث أكثر من الأشياء السيئة، ولكن الأمور السيئة تميل نحو حجب الأمور الجيدة!!؛ فالعلاج إذًا في مسألة موضع التركيز، وهذا ما يجب أن نعمل عليه؛ للتركيز، والتدريب على: الإيجابيات، والبهجة، والتفاؤل، مع حجب العقل عن التركيز في الأمور السلبية (5).
والناظر المدقق في أقوال النبي (صلى الله عليه وسلم)، يجد أنه قد أشار إلى ذلك مبكرًا، فقال: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَر، فَكانَ خَيْرًا له)(6)، وهكذا أراد النبي الكريم أن يعيش المؤمن في كنف الله تعالى، متفائلا مؤملا في ربه على الدوام.
العوامل المعينة على التفاؤل:
هناك عدد من العوامل المعينة على ديمومة الأمل والتفاؤل، منها:
- كثرة ذكرُ الله تعالى من أقوى الروابط التي تربط الذاكر بمولاه؛ فهو من خير الأعمال وأزكاها عند الله، ومن مصادر استجلاب رحماته، ونيل محبته ومعيته، وفتح خزائنه… قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) (البقرة: 152)؛ لذلك يجب أن نُكثر من ذكر الله تعالى بكل جوارحنا، ونستحضر عظمته، وقدرته، وجلاله على الدوام.
وتأمل معي في قوله: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)، “وإذا ذكرك الله -عز وجل- منحك الحكمة، وهي من أعظم العطاءات، وإذا ذكرك الله -عز وجل- أعطاك السكينة، فتسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، إذا ذكرك الله -عز وجل- أعطاك الرضا، إذا ذكرك الله منحك الأمن، فهمك الحق والحقيقة، منحك التأييد، منحك النصر.. إذا ذكرك الله عز وجل أعطاك قوة الشخصية وقوة في الحق، فلا تنافق؛ لأن مصيرك مع الله عز وجل لا مع غيره” -كما قال د/ محمد راتب النابلسي-، إذا ذكرك الله منحك الرحمة بكل مفردات الطبيعة والكون، فالذكر إذن يؤسس في نفس المسلم أنه صاحبُ أخلاق قرآنية، وصاحبُ رسالة ومسئولية في هذه الحياة، تدفعه إلى الأداء الحضاري المتميز بالعلم النافع والعمل المتقَن المبدِع لخدمة الإنسانية وترقية الحياة. ولا تحسبن -عزيزي القارئ- أن الوقتَ الذي تقضيه في الذكر ضائعٌ، كلا كلا؛ بل هو باعث الأمل والعمل في النفوس الهامدة، وجابر الخواطر المنكسرة، وناثر بذور السكينة في الصدور، ومحرك ينابيع الحكمة في العقول، والقلوب… ويا له من خير عميم! - السياحة الدائمة في كتاب الله المنظور: (الكون البديع)، والسباحة المستمرة في أعماق بحار كتابه المسطور: (القرآن الكريم)، والولوج في محيطاته، والغوص في كنوزه.. إلخ، كفيل بنقل الشخص من معية المكدرات إلى معية الله رب السموات، مانح الرحمات.
- استلهام سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكيف كان يواجه المشكلات والتحديات بالأمل والعمل؟.
- قراءة سير الصالحين، والسلف الصالح، واستخلاص العبر منها.
- مجالسة الصالحين والطيبين، والبعد عن الشخصيات المكتئبة المنفرة باعثة اليأس والإحباط في النفوس والقلوب الباحثة عنه في كل مكان.
- إسكان كلمات التفاؤل، واﻷمل، والبهجة في العقول، والقلوب؛ لتكون من الكلمات الدارجة، والمسموعة على الدوام، وإسكانها في البيوت، وفي المحصول اللغوي للصغار، والنشء، والشباب، فالكلمةُ الطَّييبة الصَّالِحة تَبعَثُ الاطمئنانَ والرَّاحةَ في النَّفسِ، خاصة في أوقاتِ المحن، والأزمات، والملمات، فتُعْطي الإنسانَ بُشْرى، وتخفف عنه آلامه، وتبعث فيه الأمل.
- مجابهة وساوس الشيطان بالوضوء، والصلاة، وذكر الله.
- اختيار الرفيق قبل الطريق، ذلك أن الطريق طويل، ومليء بالتحديات والعثرات، وإن الرفيق الصالح، هو مَن يساعدك على إصلاح علاقتك بالله، ثم بمفردات الطبيعة والكون على الدوام… وأكرم به من رفيق يجب أن نعض عليه بالنواجذ في هذه الحياة!!.
• ونقول لكل مُبتلى، ولكل إنسان دخل في غمار الحياة، وتحدياتها، ومشكلاتها، تذكر دائما هذه الكلمات:
لا تخف من أي شيء روعـــــك كن مع اللهِ يكن ربى معــــــــــــــــــك
وإذا نابك كـــــــــــــربٌ فاصطبــــر وادع مولاك وجفف أدمُعــــــــــك
ما لنــــــــــــــــــــــــــــــــــا إلا إلهٌ واحــــــدٌ فاسأل الكون وقل مَن أبدعـــك
واسأل الحمل جنينا في الحشى مَن رعاك الآن مَن ذا أشبعـــــــك
واسأل البدر مضيئا في الدجى باعثـــــــــــــــــا أنـــــواره ما أروعــــــــــــك
واسأل الشطآن عن أمواجهـــا واسأل البحــر أتدري منبعــــــــــك
واسأل الصبح تجلى مسفـــــــــرًا بعد ليل حالك مــــــــــــــــن أطلعك
واسأل سل رسول الله قل يا مصطفى يا شفيع الخلق من قد شفعـــــك
إنـــــــــــــــــــــــــــــــــــه ربي إلـــــــــــــه واحد كن مع الله يكن ربى معـــــــك(7)
مردود التفاؤل على الفرد الأسرة والمجتمع:
إننا في حاجة ماسة إلى الأمل والتفاؤل، في وقت تسلل إلى بعض من أبنائنا روح التشاؤم، يقول أ.د/ سعيد فكرة: “إن أحوج ما تحتاجه الأمة اليوم هو زرع فقه التفاؤل في نفوس النشء والشباب، بشِّروا ولا تنفِّروا، يسِّروا ولا تعسِّروا.. إن غرس التفاؤل لدى الشباب يزرع فيهم حب الحياة وتعميرها بالخير، وإن زرع التفاؤل للعاصي ومرتكب الجريمة يزرع في نفسه حب الخير والإقلاع عن الجريمة، وإن نشر التفاؤل لدى المريض يزرع في نفسه الحياة، وإن نشر التفاؤل في المجتمع يزرع فيه حب البناء الفكري والإبداع والبناء بمفهومه الشامل، ويدفع عنه مغبة التنطع، والتعصب، والمغالاة، وإن تلقين المجتمعات- عمومًا- فقه التفاؤل، هو اللبنة الأساسية الأولى المنبثقة عن فقه الأركان الخمس، فالشهادة بوحدانية الله تعالى، وبنبوة رسوله (صلى الله عليه وسلم) هي عين معنى الحياة في كنف العبودية لله تعالى واتباع سنة نبيه الكريم، وإن تلقين معنى الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، معناه: نشر التفاؤل في النفوس؛ لتجمع بين فقه التوازن في طلب الحياة، وطلب الآخرة”(8).
فاللهم أسكن السكينة في قلوبنا، وانثرِ التفاؤلَ في عقولنا وصدورنا، وانشر الرضا في بيوتنا، وابذر بذور الخير والحب والإيمان والإخاء في بلادنا.. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنّا سيئها لا يصرف سيئها إلاّ أنت، استر عوراتنا وآمن روعاتنا، واحفظنا مِن بين أيدينا ومِن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومِن فوقنا ونعوذ بعظمتك أنْ نُغتال مِن تحتنا، واهدنا سُبُل السلام يارب العالمين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصادر:
(1) للاستزادة في قضية الإجراءات الوقائية من منظور الإسلام، راجع: د/ أحمد علي سليمان: منهج الإسلام في مواجهة أوبئة العصر، القاهرة: مكتبة الأديب كامل كيلاني، 2009م.
(2) عبد الدائم الكحيل: الإعجاز في النفس – دراسة أمريكية تؤكد أهمية التفاؤل http:kaheel7.compdetails.php?id=1139&ft=19
(3) راجع دراستنا: كورونا: بين هشاشة الحضارة المعاصرة وفقه الأزمة، القاهرة: مجلة الأزهر، شوال 1441هـ/ مايو – يونيو 2020م، ص 1667-1668.
(4) آرون تيمكين بيك: طبيب نفسي أمريكي، وهو مؤسس العلاج المعرفي، وُلِد في 18 يوليو 1921، وحصل على الدكتوراه في الطب من جامعة ييل عام 1946م، ويُعد والدًا للعلاج المعرفي والعلاج المعرفي السلوكي، حيث طور عددًا من النظريات المبتكرة التي تستخدم على نطاق واسع في علاج الاكتئاب السريري واضطرابات القلق، قدَّم نصائح قيمة جدًّا في علم النفس وأخرى للأخصائيين النفسيين، ونشر أكثر من 600 ورقة علمية، و25 كتابًا خلال مسيرته المهنية. حصل بيك على عدد من الأوسمة وعدة درجات فخرية، وجائزة لينهارد من معهد الطب لتطويره العلاج المعرفي، وجائزة كينيدي لصحة المجتمع. المصدر:
https://ar.reoveme.com
https://ara.culturell.com/aaron-bek-biografiya-tvorchestvo-karera-lichnaya-zhizn-read-921793
(5) الدكتور/ آرون بيك: العلاج المعرفي السلوكي
CBT -، https://www.youtube.com/watch?v=9FZ9wI5sFlc
(6) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.
(7) من قصيدة للأستاذ الدكتور/ أحمد عمر هاشم، ألقها في المجلس الثالث من شرح (كتاب صحيح الإمام مسلم) بالرواق الأزهري بالجامع الأزهر الشريف، 3 جمادى الأولى 1440هـ/ 5 فبراير 2019م .
(8) د/ سعيد فكرة: بين التشاؤم وفقه التفاؤل، الجزائر: جامعة تبسة، إبريل 2021م، ص 2.