في ذكرى وفاته..”الأزهر للفتوى” يقدم تعريفا لشيخ الإسلام العز بن عبد السلام

كتبت- زينب عمار:
أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن العزّ بن عبد السلام قد ولد بدمشق سنة 577هـ على الراجح، ونشأ في بيئة دينية، وأسرة فقيرة شغلها طلب الرزق عن طلب العلم، وكان العز وهو صغير يحرص على مساعدة أبيه في الأعمال الشاقة؛ للحصول على نفقات الحياة، وقد طلب الشيخ العلم في سنٍّ متأخرة؛ نظرًا لانشغاله بحاجات معايشه ؛ إلا أن الله تعالى حباه فهمًا وذكاءً وجودة تحصيل أهّلَهُ ذلك لتدارك ما فاته، وساعده على ذلك البيئة التي كان يعيش فيها، حيث كانت دمشق حاضرة العلم والعلماء التي يقصدها طلاب العلم من كل حدبٍ وصوب، كما وتلقى الشيخ العلوم المختلفة، كالفقه والأصول، واللغة، والتفسير، والحديث على يد علماء أجلاء أمثال:
الشيخ فخر الدين ابن عساكر، والشيخ سيف الدين الآمدي، و الحافظ أبي محمد القاسم وشيخ الشيوخ عبد اللطيف بن إسماعيل بن أبي سعد البغدادي، والقاضي عبد الصمد بن محمد الحرستاني، وغيرهم الكثير من أهل العلم الكبار.

وقد برع الشيخ في ما تلقاه عن شيوخه وأساتذته؛ فكان لغويًا، أصوليًا، محدثًا، فقهيًا، وانتهت إليه رئاسة المذهب الشافعي في عصره، وبلغ رتبة الاجتهاد، وقصده طلاب العلم من كل مكان، حيث تخرّج على يد الشيخ العز بن عبد السلام أئمة كبار ملأوا طباق الدنيا علمًا، أمثال:
شيخ الإسلام ابن دقيق العيد، وهو الذي لقب الشيخ عز الدين بسلطان العلماء، والإمام علاء الدين أبو الحسن الباجي، والشيخ تاج الدين ابن الفركاح، والحافظ أبو محمد الدمياطي، والحافظ أبو بكر محمد بن يوسف بن مسدي، والعلامة أحمد أبو العباس الدشناوي، والعلامة أبو محمد هبة الله القفطي، وغيرهم كثير، رحمهم الله جميعًا.

أوضح “العالمي للفتوى” أن ابن دقيق العيد قال عنه: «كان ابن عبدالسلام أحد سلاطين العلماء»، وقال عنه الحافظ الذهبي: «بلغ رتبة الاجتهاد، وانتهت إليه رئاسة المذهب، مع الزهد والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصلابة في الدين….، وقصده الطلبة من الآفاق، وتخرج به أئمة »، وكذلك قال عنه الإمام بن كثير: « شيخ الإسلام، وبقية الإعلام، الشيخ عز الدين … درس وصنف وأفتى، وبرع في المذهب، وبلغ رتبة الاجتهاد، وقصده الطلبة من كل البلاد، وتخرج به أئمة، وله الفتاوى السديدة، وكان ناسكًا، ورعًا، أمّارًا بالمعروف، نهّاءً عن المنكر، لا يخاف في الله لومة لائم».

وقد رحل الشيخ العز بن عبد السلام ثلاث رحلات خارج دمشق:
1- إلى بغداد حاضرة الخلافة العباسية، ومعقل العلم والعلماء، ومقصد الطلاب، والدارسين، فأقام بها شهرًا؛ لطلب العلم، ثم عاد إلى دمشق بعد أن حصل على طلبه وبغيته.
2-رحل إلى بلاد الحجاز؛ لأداء مناسك الحج والعمرة، ثم عاد مرة أخرى إلى مكان إقامته.
3- رحل إلى مصر عام 639هـ بعد أن تعرض لمحنة السجن في دمشق بسبب إنكاره على الملك الصالح إسماعيل تحالُفَه مع الصليبيين وبيعه السلاح لهم، فرحَّب به في مصر الملك الصالح نجم الدين أيوب، و ولّاه القضاء، وإمامة مسجد عمرو بن العاص، كما عهد إليه بتدريس المذهب الشافعي بمدرسة الصالحية المعروفة بين القصرين بالقاهرة، فكثر خيره، وزادَ في الناس نفعُه.

ومن الجدير بالذكر أن الشيخ رحمه الله كان ورعًا، زاهدًا، آمرًا بالمعروف، جريئًا في الحق، ناصحًا، لا يخاف في الله لومة لائم؛ وله مواقف كثيرة يتضح فيها ذلك، منها فتواه: ببيع الأمراء المماليك لصالح بيت المال، ثم عِتقهم؛ لتصحَّ ولايتهم، وقد كانوا أمراء وولاة بالفعل، الأمر الذي أغضبهم في بادئ الأمر، ثم لم يجدوا بُدًّا عنه فنفذوا ما قال الإمام، ولما حان وقت تسلم الظاهر بيبرس الحكم قال له سلطان العلماء: يا ركن الدين، أنا أعرفك مملوك البندقدار، أي بيعتك على الملك غير جائزة وأنت مملوك؛ فأحضر بيبرس ما يثبت أن البندقدار قد وهبه للملك الصالح نجم الدين أيوب، وأن الصالح أيوب أعتقه، حينها تقدم الإمام العز وبايعه على الملك.

وقد شارك الإمام رحمه الله بنفسه في الجهاد ضد الصليبين عندما أرادوا أن يحتلوا مدينة دمياط، ووقعت للشيخ كرامة أثناء الجهاد، قال الإمام تاج الدين السبكي: «وكان الشيخ -العز بن عبد السلام – مع العسكر، وقويت الريح، فلما رأى الشيخُ حالَ المسلمين نادى بأعلى صوته مشيرًا بيده إلى الريح «يا ريحُ خُذيهم» عدة مرات، فعادت الريح على مراكب الفرنج فكسرتها، وكان الفتح، وغرق أكثرُ الفرنج، وصرخ من بين يدي المسلمين صارخ: الحمد لله الذي أرانا في أمة محمد ﷺ رجلاً سخّر له الريح». [طبقات الشافعية الكبرى (8/ 216)]

كما كان الشيخ رحمه الله عالمًا موسوعيًّا، ذا قلم سيال، له مؤلفات عديدة، منها:
«التفسير الكبير»، «الإلمام في أدلة الاحكام»، «قواعد الشريعة»، «الفوائد»، «قواعد الأحكام في إصلاح الأنام»، «ترغيب أهل الإسلام في سكن الشام»، «بداية السول في تفضيل الرسول»، «الغاية في اختصار النهاية»، «الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز»، «مسائل الطريقة»، «الفرق بين الإيمان والإسلام»، «مقاصد الرعاية»، وغير ذلك من المؤلفات النافعة، وفي 10جمادى الأولى سنة 660هـــ رحل عن عالمنا العالم الجليل الشيخ العز بن عبد السلام، بعد رحلة من البذل والعطاء، عن عمر ناهز ثلاثة وثمانين عامًا، ودفن في القرافة بالقاهرة.

أضاف “العالمي للفتوى” أنه من خلال التعريف بسيرة سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله يمكننا الوقوف على أبرز جوانب القدوة في شخصيته، وهي:
1- الحرص على طلب العلم، والاستزادة منه.
2- العصامية والاعتماد على الله ثم الأخذ بالأسباب.
3- أهمية دور الاسرة في التربية الصالحة للنشء.
4- ضرورة أن يكون للإنسان دور في الإسهام الحضاري والإنساني.
5- ضرورة أن لا يأكل العالم أو الداعية بدينه، أو يتاجر به؛ لتحقيق مصالح شخصية.
6- ضرورة تحلي العلماء وطلبة العلم بالزهد والورع وتقوى الله عز وجل.

زر الذهاب إلى الأعلى