الأسرة في الإسلام.. ضوابطها وطرق صلاحها

بقلم / فضيلة د.عبد الرحمن سرحان عضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بمحافظة مطروح

الحمدُ للهِ القائلِ: ﴿هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾  ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

 لقد أنعم الله عز وجل  علينا بنعم كثيرة، لانستطيع عدها،( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) ، ومن أعظم تلك النعمِ: نعمةُ الأسرة، قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} ، والأسرة تتمتع في شريعتنا الإسلامية الغراء بمكانة عالية ومنزلة سامية، فهي:

1- سنة الله في الأرض،قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ، ومعلوم أن أولُ أسرةٍ أُنشئت في البشرية كانت بأمرٍ من الله تعالى لأبينا آدم -عليه السلام-، حيث خاطبه سبحانه فقال: {وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}. 

2- سنة من سنن الأنبياء والمرسلين، ومعنى ذلك أن المتزوج قد تأسى، واقتدى، واهتدى بهدي الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} ، وعَنْ عُبَيْدِ بْنِ سَعْدٍ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي، وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ».

3- سبب من أسباب الرزق، والغنى، والثراء، فمن أراد الغنى والرزق والثراء فعليه بالنكاح، قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ العَفَافَ”  ، وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَكُمْ بِالْمَالِ».

4- سبب من أسباب العفة، وحفظٌ للمرء من الوقوع في الفواحش، فعَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي، مَعَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». لذا اهتم الإسلام بالأسرةِ اهتمامًا بالغًاً، ودعا إلى تقويتِهَا، ودوامِ ترابطِهَا؛ لتكونَ أسرةً متماسكةً سعيدةً.

أسباب هدم الأسرة المسلمة::

هناكَ أخطارٌ كثيرةٌ تريدُ النيلَ من الأسرةِ المسلمةِ فانتبِهوا لها قبلَ فواتِ الأوانِ،ومِن الأخطارِ التي تُواجهُ الأسرةَ المسلمةَ:

1- مواقعُ التواصلِ الاجتماعيِّ: فهي سلاحٌ ذو حدينِ فإنّ وَسَائِلَ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ كَشَفَتْ أثرَهَا فِي بعضِ مجتمعاتِنَا أيضًا للأسفِ الشديدِ فتسبَّبتْ بخلل ٍفي التَّدَيّنِ، وَضَعْفٍ فِي التَّرْبِيَةِ، وَانْحِطَاطٍ فِي الأَخْلاَقِ. فَكثيرٌ من أبناءِ المسلمين وبناتِهِم مَا كانوا يعرفون الفواحشَ والممارساتِ الأخلاقيةَ المنحطةَ حَتَّى تَعَلَّمُوهَا مِنْ هَذِهِ الوَسَائِلِ، فَالفُضُولُ قَادَهُمْ لِمَعْرِفَتِهَا، وَضَعْفُ الوَازِعِ الدينيِ جَرَّأَهُمْ عَلَيْهَا، وَحُبُّ التَّجْرِبَةِ جَرَّهُمْ إِلَيْهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ غَرِقَ فِي الرَّذَائِلِ بِسَبَبِهَا، وَتَأَمَّلُوا الوَصْفَ القُرْآنِيَّ لِلْمُؤْمِنَاتِ بِالغَفْلَةِ، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ ، أَيْ: غَافِلاَتٍ عَنِ الفَوَاحِشِ وَمُقَدِّمَاتِهَا، فكم مِن بيوتٍ خربتْ بسببِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ؟ وكْم مِن بيوتٍ حدثَ فيها الطلاقُ بسببِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ؟ وكمْ مِن بيوتٍ تدمرتْ بسببِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ؟ وكمْ مِن خياناتٍ زوجيةٍ بسببِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ؟

2- الإعلامُ: وليس كلُّ الإعلامِ إنَّما اقصدُ الاعلامَ الفاضحَ الإعلامَ المضللَ الإعلامَ الذي ينشرُ الرذيلةَ في المجتمعاتِ ويضيعُ قيمَ ومبادئَ الأسرةِ ، فكثُرتْ الخياناتُ الزوجيةُ وكَثُرَ الزواجُ العرفيُّ وكثرَ القتلُ وأعمالُ البلطجةِ ، كم هدمتْ هذه البرامجُ والمواقعُ المخربةُ مِن أسرٍ! وكم حطمتْ من كيانٍ! وكم سلختْ من خُلقٍ، ووارتْ من عفةٍ وحياءٍ.

3- المظاهرُ الكاذبةُ، الرجلُ يتعاملُ مع زوجتِهِ وأولادِهِ بالقسوةِ والغلظةِ في البيتِ وعندما يخرجُ إلى الشارعِ يتحدثُ مع النساءِ الأجنبياتِ بالحسنى والكلمةِ الطيبةِ، وربَّمَا يفسدُ امرأةً على  زوجِهَا ، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ”  ، وما أكثرَ هؤلاء فهم ذئابٌ بشريةٌ خبثاءٌ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ ، فلا تغرنَّكُم الأشكالُ الحسنةُ ولا الأجسادُ القويةُ الخداعةُ للنساءِ على مواقعِ التواصلِ فربَّمَا تأتي يومَ القيامةِ ولا تزنُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ لحديثِ النبيِّ المختارِصلى اللهُ عليه وسلم “يُؤتَى يومَ القيامةِ بالرجلِ السَّمِينِ، فلا يَزِنُ عند الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ”ثم قرأ: ” فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا” ، فيا أيها المسكينُ افعلْ ما شئتَ كما تدينُ تدانُ،قال الشاعر:

ما مِن كاتبٍ إلّا سيفنَى       *        ويُبقِي الدهرُ ما كتبتْ يدَاهُ

فلا تكتُبْ بكفكَ غيرَ شيءٍ    *    يسركَ في القيامةِ أنْ تراهُ

**ضوابطُ بناءِ الأسرةِ في الإسلامِ:

هناك كثيراً من الطرق والوسائل لصلاح الأسرة المسلمة،ومن هذه الطرق:

1- إتباع جميع أفراد الأسرة تعاليم الكتاب والسنة في شتى شؤون حياتها: قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ .

2- اختيار الزوجين على أساس الدين والخُلق: قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} ، عَنْ أَبِي حَاتِمٍ المُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟( أي: شيء من قلة المال) قَالَ: «إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ»، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ” ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ ” ، وأساس التدين والتخلق الحقيقي يظهر في المعاملة في فترة الخِطبة. ومِن السننِ الغائبةِ والمستغربةِ التي هجرَهَا أكثرُ المسلمين، عرضُ المرأةِ على التقيِّ المؤمنِ  كما عرضَ شعيبٌ عليه السلامُ ابنتَهُ على موسى عليه السلامُ في قولِهِ تعالى: ﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ ،وعرضَ عمرُ رضي اللهُ عنه ابنتَهُ حفصةَ رضي اللهُ عنها وأرضاهَا على عثمانَ وعلى أبِي بكرٍ رضي الله عنهما وتزوجَها النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم .

3- الاستخارة قبل الإقدام على إتمام البناء والدخول، وهي طلب خير الأمرين من الله (عزّ وجلّ)، فعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما)، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي). قال: (ويسمي حاجته)

4- تجهيز وإعداد ما يلزم الأسرة والحياة الزوجية، من مسكن، ونفقة، وكسوة…الخ، بدون مغالاة وغلو، أو هو ما يعرف في الفقه الإسلامي بالقدرة على مؤن النكاح، وقد أشار النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى ذلك، فقال: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) ، والباءة في الحديث القدرة على مؤن وتكاليف النكاح؛ لأن القدرة الجنسية موجودة عندهم طبيعة وفطرة (أصلًا).

5- حفظ مكانة كلا من الزوجين للأخر : فبعض الزوجات لا تدرك أنّ زوجها أعظمُ الناسِ حقًا عليها من أبيها وأمها، وأنه سببٌ في دخولها الجنة أو النار ، وذلك إذا لم يأمرها بمعصية، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: «زَوْجُهَا» قُلْتُ: فَأَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الرَّجُلِ؟ قَالَ: «أُمُّهُ».

6- المعاشرة بالمعروف: ينبغى على كلا الزوجين أن يعرف حقوقه وواجباته تجاه الأخر،لأن هذه المعاشرة هي طريق من

طرق صلاح الأسرة

 المسلمة،وسبب من أسباب عيشها في مودة ورحمة، قال تعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ ، وقال سبحانه :﴿ ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾.

7- الصبرُ والرضا بين الزوجين: فالزواج ميثاقُ غليظُ يقتضِي من الزوجين أنْ يصبر كلا منهما على هفواتِ الآخر، ويرضى بما قسمَ اللهُ تعالى له، ولا يسخطِ لذلك ويشتكي، حتى تسيرَ مركبُ الزوجية:فقد روي أنّ رجلاً جاء إلى عمرَ رضي اللهُ عنه يشكو خلقَ زوجتهِ، فوقفَ على بابِ عمرَ ينتظرُ خروجَهُ، فسمعَ امرأةَ عمرَ تستطيلُ عليه بلسانِها وتخاصمُهُ وعمرُ ساكتٌ لا يردُّ عليها، فانصرفَ الرجلُ راجعًا وقال : إنْ كان هذا حال عمرَ مع شدتهِ وصلابتهِ وهو أميرُ المؤمنين فكيف حالي ؟! فخرجَ عمرُ فرآه موليًا عن بابهِ فناداه وقال: ما حاجتُكَ يا رجلُ؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين جئتُ أشكو إليك سوءَ خلقِ امرأتي واستطالتهَا عليّ، فسمعتُ زوجتَكَ كذلك فرجعتُ وقلتُ: إذا كان حالُ أميرِ المؤمنين مع زوجتهِ فكيف حالي؟! فقال: عمرُ يا أخي إني احتملتُها لحقوقٍ لها عليّ ، إنّها طبَّاخةٌ لطعامي ، خبَّازةٌ لخبزي ، غسَّالةٌ لثيابي ، مُرْضِعةٌ لولدي وليس ذلك كلّهُ بواجبٍ عليها، ويسكنُ قلبي بها عن الحرامِ فأنا أحتملُها لذلك. فقال الرجلُ: يا أميرَ المؤمنين وكذلك زوجتي قال عمرُ: فاحتملْها يا أخي فإنما هي مدةٌ يسيرةٌ”. فلو أنّ كل زوج وقف عند هفواتِ الآخرِ، ما استمرتْ الحياةُ الزوجية أبداً ، فلابدَّ لكلٍّ منهما أنْ يتحملَ رفيق عمره، حتى تستقرَّ الأسر والمجتمعات .

8-  تربيةُ النشءِ على الكتابِ والسنةِ ،فالأولادُ هم أمانةٌ وتربيتُهُم أمانةٌ ستسألُ عنها يومَ القيامةِ إذا حافظتَ عليهم فقد صُنتَ الأمانةَ،وإذا أهملتَهُم فقد خُنتَ الأمانةَ كما أخبرَ بذلك الصادقُ المصدوقُ صلى اللهُ عليه وسلم فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ))  ، وعن مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ- رضى اللهُ عنه–قال: سمعتُ النبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: ” مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ”  ،قال الشاعر:

ليس اليتيمُ من انتهى أبواهُ        *       من الحياةِ وخلفَاهُ ذليلاً

إنّ اليتيمَ هو الذي تَرى له          *       أُمَّا تَخَلّتْ أو أَبًا مشغولًا

9-  تنظيم الأدوار داخل الأسرة، فالقوامة، وقيادة سفينة الأسرة شأن الرجال، ورعاية بيت الزوجية، والقيام على شئونه، وإصلاح أموره من شأن النساء، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ، وقال (صلى الله عليه وسلم) قال: (إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ) ، فلو قام كل واحد في الأسرة بدوره الذي حددته له الشريعة الإسلامية؛ لاستقرت الأسرة المسلمة، وما تهدمت أركانها بالطلاق، واختفت المشاحنات والخلافات بين أفرادها، وأخرجت للمجتمع والوطن والعروبة والإسلام أفردا صالحين مصلحين.

10- الأمر ببر الوالدين، والإحسان إليهما، فهما أساس الأسرة وقوامها، وهما الناشئ الأول لها، فإذا كان المولى تبارك وتعالى هو الذي أوجدنا فالوالدان هما سبب هذا الوجود، وإذا كان سبحانه وتعالى هو الذي كلأنا ورعانا، وبرزقه غذانا فالوالدان هما من سعيا علينا وهما من باشر تلك التربية، وإذا كان سبحانه وتعالى لا يطلب منا أجرًا على نعمه وآلائه فكذلك الوالدان لا يطلبان منّا جزاء ولا شكورًا نظير خدماتهما لنا، وإذا كان سبحانه وتعالى لا يقطع فضله عن خلقه وعبيده حتى ولو كانوا مشركين كفرة فكذلك الوالدان لا يقطعان خيرهما وبرهما عن ولدهما ولو كان عاقًا لهما، وإذا كان الله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده إلا كل خير فكذلك الوالدان لا يتمنيان لولدهما إلا كل خير بل يتمنيان أن يكون ولدهما أفضل منهما،أفلا يستحقان الإحسان والبر؟ بلا ورب الكعبة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (رضي الله عنه)، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟. قَالَ: (أُمُّكَ). قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟. قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ). قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟. قَالَ: (ثُمَّ أُمُّكَ). قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟. قَالَ: (ثُمَّ أَبُوكَ) .

11-  الإصلاح، ورأب الصدع، ولمّ شمل أفراد الأسرة عند حدوث أي مشكلة، فالبشر ليسوا ملائكة معصومين، وكل ابن آدم خطاء، ولو قدر لبيت أن يسلم من خلاف أو خطأ لسلم بيت النبوة فيجب الإصلاح بين الزوجين المتخالفين، لقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} ، وقال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} .

رسالة إلى الآباء الأمهاتُ: اعلمُوا أنّكُم مسئولونَ عن أولادِكُم يومُ القيامةِ، وبيَّنَ ذلك الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلم في الحديث الشريف: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ))  ، وقالَ أيضًا : ” إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ ، أحفظَ أم ضيَّعَ ؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه ” ،يقولُ الإمامُ الغزاليُّ رحمه اللهُ: ” اعلمْ أنّ الصبيَّ أمانةٌ عندَ والديهِ وقلبَهُ الطاهرَ جوهرةٌ نفيسةٌ ساذجةٌ خاليةٌ عن كلِّ نقشٍ وصورةٍ، وهو قابلٌ لكلِّ ما نقشِ، ومائلٌ إلى كلِّ ما يُمالُ بهِ إليهِ، فإنْ عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَهُ نشأَ عليه وسعدَ في الدنيا والآخرةِ، وشاركَهُ في ثوابِهِ أبوه وكلُّ معلمٍ له ومؤدبٍ، وإنْ عُوِّدَ الشرَّ وأُهملَ إهمالَ البهائمِ شقي وهلكَ، وكان الوزرُ في رقبةِ القيِّمِ عليه والوالِي له. وقد قال اللهُ عزّ وجلّ {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسَكُم وأهلِيكُم نارا} ومهما كان الأبُ يصونُهُ عن نارِ الدنيا، فأنْ يصونَهُ عن نارِ الآخرةِ أولَى، وصيانتُهُ بأنْ يؤدبَهُ ويهذبَهُ ويعلمَهُ محاسنَ الأخلاقِ، ويحفظَهُ من القرناءِ السوءِ”. 

فللأسرةِ دورٌ كبيرٌ في رعايةِ الأولادِ -منذُ ولادتِهِم- وفي تشكيلِ أخلاقِهِم، وما أجملَ عبارةَ: ” إنّ وراءَ كلِّ رجلٍ عظيمٍ أبوين مربيين”.

إنّ الاهتمامَ بتربيةِ الأبناءِ، وتنشئةِ الأسرةِ الصالحةِ، يكونُ في موازينِ حسناتِ الوالدينِ في الآخرةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ؛ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ؛ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ “ ،” قال العلماءُ : معنى الحديثِ أنّ عملَ الميتِ ينقطعُ بموتِهِ، إِلّا في هذه الأشياءِ الثلاثةِ، لكونِهِ كان سببَهَا، فإنّ الولدَ مِن كسبِهِ، وكذلك العلمَ الذي خلّفَهُ من تعليمِ أو تصنيفٍ، وكذلك الصدقةَ الجاريةَ، وهي الوقفُ”.

 أسال الله أن يرزقنا الاستقرار الأسري،وأن يحفظ أسرنا وأبناءنا من كل مكروه وسوء

زر الذهاب إلى الأعلى