“الأزهر للفتوى” يُقَدِّم حكاية كتاب «أُسْد الغَابَة في مَعرفة الصَّحابة» للمُؤرخ الكَبير عِز الدين ابن الأثير
كتبت- زينب عمار:
يقدم مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، “أُسْد الغَابَة في مَعرفة الصَّحابة”، وذلك في إطار مشروعه التثقيفي “حكاية كتاب”، ومؤلف الكتاب هو المؤرخ الشهير والإمام الحافظ عزُ الدين أبو الحسن علي بن محمد بنِ محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الجزري الشيباني، وقد ولد ابن الأثير بجزيرة ابن عمر التي تقع بمحافظة شرناق التُّركية على خط الحدود مع سوريا، ونشأ في أسرة ثرية محبة للعِلم، وله أخوان كل منهما يلقب بابن الأثير، تلقَّوا تعليمهم أولًا بجزيرة ابن عمر، ثم انتقل بهم والدهم إلى الموصل فتلقوا عن العلم على يد كبار علمائها، وقد تفرغ ابن الأثير، وإخوته لطلب العلم، وساعدهم على جودة التحصيل اجتماع العلماء والأدباء في بيت والدهم بالموصل، وسماعهم منهم، وتدوينهم خلفهم، حتى تخرج فيها ثلاثة علماء كبار، هم: القاضي مجد الدين أبو السَّعادات صاحب كتاب «جامع الأُصول في أحاديث الرَّسول ﷺ»، والإمام الحافظ، والمؤرخ الكبير عز الدين صاحب كتاب «أُسد الغابة» وغيره الكثير من المؤلفات والكتب النافعة، والوزير ضياء الدين أبو الفتح نصر الله، وكان مولعًا بالشعر والأدب، فحفظ الكثير من الأشعار، وعمل كاتبًا للأمراء.
أوضح “العالمي للفتوى” أن ابن الأثير كان صاحب همة عالية في طلب العلم، وكان يُكثر من السفر والترحال؛ لتحصيل العلوم المختلفة، فرحل إلى الموصل، وبغداد، والحجاز، ودمشق، وحلب، وقد برع رحمه الله في علوم التاريخ، والحديث، والأنساب، ومن أهم كتبه (الكامل في التاريخ)، الذي يعده المؤرخون أعظم كتب التاريخ لهذه الفترة، كما قال عنه الإمام ابن خِلِّكان: «كان إمامًا في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به، وحافظًا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، وخبيرًا بأنساب العرب وأخبارهم وأيامهم ووقائعهم» [وفيات الأعيان (3/ 348)]، وقال عنه الإمام الذهبي: «وكان إِمامًا عَلاَّمَةً، أَخبَارِيًّا، أَديبًا، مُتَفَنِّنًا، رَئِيْسًا، مُحْتَشِمًا، كَانَ مَنْزِلُهُ مَأْوَى طَلَبَةِ العِلْمِ، وَلَقَدْ أَقْبَلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ عَلَى الحَدِيْثِ إِقبالًا تَامًّا، وَسَمِعَ العَالِي وَالنَّازلَ» [ سِيَر أعلام النُبَلاء: 16/ 257].
وقد رحل الإمام عز الدين ابن الأثير عن عالمنا عام 630 هـ، عن عمر ناهز 75 عامًا، بعد رحلة طويلة من البذل والعطاء.
أما عن سبب تأليف الكتاب: فيذكر ابن الأثير في مقدمة كتابه الذي بين أيدينا أن علماء الشام ومُحَدِّثيها طلبوا منه جمع أسماء الصحابة في كتاب يبين فيه الحق فيما ورد من سيرتهم، فيقول في ذلك: «إننا نرى كثيرًا من العلماء الذين جمعوا أسماء الصحابة يختلفون في النَسب، والصُّحبة، والمشاهد التي شهدها الصاحب، إلى غير ذلك من أحوال الشخص ولا نعرف الحق فيه، وحَثُّوا عَزمي على جمع كِتاب لهم في أسماء الصحابة رضي الله عنهم أستقصى فيه ما وصل إليَّ من أسمائهم، وأُبَيِّن فيه الحق فيما اختلفوا فيه، والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم) [أسد الغابة (1/11)]، فنظر ابن الأثير في كتب السابقين، فوجدها مختلفة المسالك، متنوعة المناهج، فأراد أن يجمع بينها، ويُرتبها، ويُهَذِّبها؛ ليسهل على مطالع كتابه الجديد معرفة أخبار الصحابة وأحوالهم وسيرهم ووقائعهم.
و(أُسد الغابة) كتابٌ كبير الحجم مكون من 6 أجزاء، يضمُّ ترجمة (7554) صاحبيًّا وصحابية، مرتبٌ على أحرُف الهجاء، ويعد من الكتب المهمة في تراجم الصحابة وسيَرِهم التي يعتمد عليها كثير من الباحثين، جمع فيه ابن الأثير ما يتطلبه الحكم على الأحاديث، من معرفة اسم الصحابي، ونَسَبه، والغزوات التي شهدها، وتاريخ وفاته؛ للوقوف على درجة روايته، وقد ذكر في أول الكتاب أسانيد الكُتب الكِبار التي خَرَّج منها الأحاديث، وتكرر ذكرها في الكتاب؛ لِئلا يطول الإسناد، فلا يذكر في أثناء الكتاب إلا اسم المصنف اختصارًا، ومن حُسنِ صَنيعه أن استهل كتابه بفصل عن سيرة سيدنا النبي المصطفى ﷺ وحياته، وقد جمع المؤلف في كتابه ما تضمنته مؤلفات السابقين، ورتبها، وزاد عليها، واكتفي بِذِكْرِ الصَّحابي بالاسم واللقب والكُنية، وأهم ما يتميز به من صفات، وحذف ما عدا ذلك مما لا يُفِيد في معرفة الصحابي وتمييزه، والتعليق على النصوص والأسانيد، وشرح الألفاظ الغريبة، وضبط الأسماء، وذكر سبب تسمية بعض الأماكن، أو الأشخاص، كما جمع المعلومات وتوثيقها، وعزوها لمصادرها، وترتَّيب أسماء الصحابة على أحرف الهجاء؛ مما يُسَهِّل عملية البحث، كما أفرد جزءًا خاصًّا في آخر الكتاب لذكر الصَّحابيات، ورتبَ أسماءهن كذلك على حروف الهجاء.
كذلك لم يهمل ابن الأثير ذكر من لم يثبت لديه نسبه من الرواة؛ بل ذكره في آخر ترجمة كل اسم؛ فقال:
(وقد ذكروا جماعة بأسمائهم، ولم ينسبوهم إلى شيء، فجعلت كل واحد منهم في آخر ترجمة الاسم الّذي سمى به مثاله: زيد، غير منسوب، جعلته في آخر من اسمه زيد، وأقدم ما قلَّت حروفه على ما كَثُرَت مثاله: أقدم «الحارث» على «حارثة») [ أسد الغابة (1/ 12)]، وذكر ابن الأثير تراجم أخرى لمن عاصروا الرسول ﷺ من غير المسلمين، فكان كتابه تاريخيًّا شاملًا.