تكنولوجيا الدعوة الإسلامية.. نداء العصر من الأزهر الشريف

بقلم الأستاذ الدكتور / سيد مرعى / خبير تكنولوجيا الدعوة الإسلامية ـ كلية التربية – جامعة الأزهر

كان وما زال سابقاً لعصره منبراً فى زمانه سهماً فى قوس أمته، لا يقف إلا ليصَوٌب ولا يصوب حتى يصيب ولا يصيب حتى يزهر لأنه الأزهر الشريف يا سادة  فما زال حصناً منيعاً لبلادى المحروسة وحارساً أميناً على شريعاتها الغراء ، ومع كل حادثةٍ يثبت أنه لها ، فها نحن من رواق الأزهر الصحفى ننادى بتكنولوجيا الدعوة فأول رسالة دكتوراة فى العالم تتناول هذا الأمر الجلل خرجت من جامعة الأزهر ، وأول تدريب تلقاه الدعاة فى تكنولوجيا الدعوة كان بمدينة بعوث الأزهر ، فما هى تكنولوجيا الدعوة الإسلامية موضوع مقالنا اليوم ؟

 يتكون مصطلح تكنولوجيا من مقطعين: الأول “تكنو” Techno، ويعني الحرفة، والثاني “لوجيا” Logy، ومعناه “علم”، والمقطعان مجتمعان (تكنولوجيا) يعنيان علم الحرفة، أي علم الاحتراف والإتقان العلمي والمهني، وإتقان الأعمال توجه إسلامي أصيل، دعا إليه الرسول المعلم محمد صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه].

فالإتقان مبدأ إسلامي، إنفرد به المسلمون الأوائل منذ مهد الدعوة الإسلامية، وكان الإتقان أداة فعالة من أدوات الدعوة الإسلامية، وسبب انتشارها بين الأقطار المختلفة.

وعندما نضيف كلمة “الدعوة” إلى مصطلح تكنولوجيا، فنقول: (تكنولوجيا الدعوة) فإننا نهدف من وراء ذلك إلى إحتراف العمل الدعوي، وإتقان فنه، واكتساب مهاراته، والوقوف على أيديولوجياته؛ ليصبح علمًا تطبيقيًا منظوميًا، له أهدافه القابلة للتحقيق، ومنهاجه المتكامل، واستراتيجياته المختلفة، وسيكلوجياته الخاصة، وأدواته المتطورة، ووسائله المستحدثة، وتصميماته الخاصة بمواقفه الدعوية المختلفة، وكذلك إجراءاته وطرق تقويمه، الأمر الذى يجعلنا نثق فى اعتماده للزود عن الدين ورد الشبهات عنه

ولهذا العلم فاعلية في تحسين عمليات الاتصال، وتسهيل التواصل بين عناصرها من (مدعو، ورسالة، وقناة اتصال، وداعية)، ، مقتدين في تحقيق الفاعلية بعمل أشهر داعية وأفضل معلم، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي وظف الإمكانات المتاحة في بيئته لخدمة دعوته الخالدة، باستخدام الوسائل المختلفة في تعليم أصحابه (رضوان الله عليهم)؛ فخاطب الناس على قدر عقولهم، وواجه كل موقف بما يناسبه، فتراه يستخدم الرسم والتخطيط على الرمال تارة، والإشارة والخطاب المباشر تارة أخرى، وإرسال الوفود إلى القبائل تارة ثالثة، ويستخدم العينات أو المجسمات، أو الأشياء الحقيقية في موقف رابع، وغير ذلك من الوسائل، موظفًا ذلك حسب متطلبات الموقف الدعوي، وحسب حال المتعلم أو السائل، وفي هذا قمة التوظيف لتكنولوجيا الدعوة  التي هي علم الحرفة والتطبيق العملي للمعرفة البشرية فى الدعوة الإسلامية.

إن هذه الوحدة تهدف بنا في نهاية الأمر إلى  تطبيق مفهوم شامل لتكنولوجيا الدعوة الإسلامية، وهذا المفهوم ينطلق من أسس ثلاثة، هي: “كون تكنولوجيا الدعوة الإسلامية (مجالًا)، وكونها (عملية)، وكونها (مهنية)”.

والنظر إلى تكنولوجيا الدعوة (كمجال) ما هو إلا محاولة علمية جادة لتحديد مكونات هذا التخصص، وبيان ملامحه الأساسية من أجهزة حديثة، ووسائل تخزين، وقوى بشرية، وتصميم، وإنتاج، وتقويم، مع إطار نظري وخطط دعوية.

أما تكنولوجيا الدعوة الإسلامية  (كعملية ) فهي أكبر من مجرد إدخال المستحدثات التكنولوجية إلى المجال الدعوي؛ بل هي عملية مخططة ومنظمة و فريدة، وفعالة، وتخضع للدراسة الكاملة لكل المكونات السابقة المرتبطة بالمجال.

ومن الطبيعي النظر إليها (كمهنة) ، إذ أن أي مجال به مجموعة من العمليات يتطلب أن يكون هناك من يقوم به، وهم الممتهنون لهذه المهنة، وهذا ما يؤكد أن العمل في مجال تكنولوجيا الدعوة الإسلامية يتطلب أفرادًا مُعَدّين إعدادًا جيدًا، وأصحاب مهارات خاصة وقدرات عالية في التعامل مع المكونات المعروفة لمجال تكنولوجيا الدعوة الإسلامية ، وهذا ما نرنو إليه .

والسؤال: لماذا تكنولوجيا الدعوة الآن ؟ إن إجابة هذا السؤال لها عناصر ثلاثة:

– أنها تعد  آية، لأنها جعلت بلدان العالم جميعها بمثابة البلد الواحد، التي كان يرسل إليها كل نبي على حده، وفي هذا دلالة على أن الذي أرسل سيدنا محمدًا للناس كافة – وهو الخالق سبحانه – كان يعلم – بلا شك – أن العالم كله سيصير بمنزلة القرية الواحدة فلا يحتاج الأمر إلى تعدد المرسلين ، وفي هذا دليل واضح يضاف إلى الأدلة الكثيرة المشيرة إلى صدق رسولنا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وأنه خاتم الأنبياء والمرسلين.

– كا أنها فرصة عظيمة لنشر الدعوة الإسلامية، فهذا أمر لا يكاد يحتاج إلى بيان، فقد تطورت آليات الطباعة والنشر على مواد مطبوعة، وغير مطبوعة كما نرى، والكلمة المنطوقة لم يعد ينتهي تأثيرها بانتهاء النطق بها؛ بل صارت مسجلة على شرائط تسجيل مسموعة وأخرى مرئية مسموعة، وظهرت الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت).

– وهى أيضاً تحديًا عظيمًا: لأنها كما أتاحت لنا إيصال الدعوة الإسلامية إلى غير المسلمين في بقاع الأرض، فقد سهلت لغير المسلمين إيصال سمومهم إلينا، وبما أن إمكاناتهم المادية، وإدراكهم لأهمية هذه الوسائل أكبر منا، فإن ما ينجحون في توصيله إلينا أكثر بكثير مما ننجح في إيصاله إليهم ،وكذلك لأننا لم نضع حتى الآن آليات تنفيذية مخططة وفق متطلبات هذا العصر؛ من أجل الدفاع عن هذا الدين ودعوة البشرية إليه. فضلاً عن  اختلاف أنواعها، وأشكالها (فمنها الصوتي، ومنها الصوري، ومنها الفيديو، ومنها الرسائل…)، و مما يدعم أهميتها  أنها تصل إلى الملايين في كافة أنحاء العالم، وهو ما يمكِّن الداعية من الوصول إلى الناس بسهولة.

والله ودعوته ثم رسالة أزهرنا من وراء القصد

وهو نعم المولى ونعم النصير

زر الذهاب إلى الأعلى