رسائل إلى جيش مصر العظيم وجنوده المتوضئين بأخلاق النبوة


بقلم الدكتور/ أحمد علي سليمان
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

في مثل هذا اليوم العظيم، العاشر من رمضان، تجلَّت رحماتُ الله تعالى وفيوضاتٌ من بحر جوده وكرمه وسكينته، ومددٌ منه جل وعلا ليس له حدودٌ على جيش مصر العظيم، فصاورا أسودا في ساحة الوغي، أرعبوا العدو وألجاؤه إلى الجحور، وتمكنوا من الثغور.. فكسروا غروره، وحطموا آلياته ومعنوياته، وتكاثروا في العبور العظيم؛ ليرسموا ملحمةَ تاريخية ملهمة في هذا اليوم العظيم، الذي هبَّت فيه نسائمُ النصرِ المبين، وزخَّت فيه بشائرُ الفرجِ والفرحِ، ليس في مصر فحسب، بل في الوطن العربي، وفي العالم الإسلامي، وبين الأحرار في كل مكان.
لقد توضأ جيش مصر العظيم بأخلاق النبوة، وضربوا أروع الأمثلة في الإيمان بالله، والوفاء لوطنهم… ضربوا أعظم الأمثلة في الشجاعة والإقدام.. في صبر الصدق، وصدق الصبر.. لقد تشبسوا بحبال الله، وألقوا اليأس خلف ظهورهم، وهم يعتقدون أن اليأس بعيد عن الإسلام والأديان، بل إن اليأس أعدى أعداء الإسلام…
أيقنوا أن اليأس لا يتمكن إلا من الضعيف الذي هزمه الشيطان في عراك الحياة..
إن جنودَ مصر البواسل كانوا -وما يزالون وسيظلون- أقوياء بالله، مؤمنين به، فتحققت فيهم الخيرية ومحبة الله، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: (الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ…) (أخرجه مسلم) .
وكانوا مقتدين بسيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، الذي لم ييأس من شيء أبدًا، بل كان دائم التفاؤل والاستبشار بتوفيق الله وبنصره.. لم ييأس لما أذوه.. لم ييأس لما عذبوا المسلمين.. لم ييأس من مقاطعة المشركين له ولذويه وأقاربه.. لم ييأس لما تعدى عليه أهلُ الطائف..
لم ييأس لما خططوا لقتله.. لم ييأس هو وصحبه وهما في داخل الغار والمشركون في خارجه يريدون قتلهما.. لم ييأس لما وصل إليه بعض المطاردين.. لم ييأس لما دخل المدينة وهي بيئة جديدة عليه وفيها ما فيها من التحديات وقتذاك، وقد ترك المهاجرون أمولاهم وأرضهم وديارهم وكلَّ ما يملكون في مكة..
لم ييأس لما دخل معركة بدر، وهو يعلم أن ميزان القُوى غير متكافيء.. لم ييأس بعد هزيمة المسلمين في أُحد.. لما ييأس يوم الأحزاب وقد تكاثف عليه أهل الشر من كل مكان.. لم ييأس من غدر اليهود الذين خططوا لقتله.. لم ييأس عندما توفى أولاده واحدًا بعد الآخر… لم ييأس يوم حنين… لقد تحمل النبي الكريم أحداثا هائلة، بيد أنها مكنته من تحمل عظائم الأمور والشدائد.. وهكذا الكبار.. لم ييأسووا ولم يقنطوا..
وهكذا كان جنود مصر البواسل، الذين توكلوا على الله، وأمَّلوا فيه خيرًا، فحقق اللهُ أملَهم، قال تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51)، فبعد هزيمة القوات المسلحة المصرية في نكسة 1967م، كانت المعنويات محطمة، ولكن بالإيمان بالله والعزيمة الصادقة، والثقة في نصر الله المبين، حقق الله تعالى لمصرنا الغالية ملحمة تاريخية ملهمة، في يوم العاشر من رمضان، وفي هذا المقام نتذكر قول الله تعالى: (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ . وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ) (الصافات: 172-173).
نتذكر بكل فخر وعز وشكر لله، يومَ العاشرِ من رمضان، السادسِ من أكتوبر، وانتصار القوات المصرية على الصهاينة، فقد دخلنا هذه الحرب وقد تسلحنا بالإيمان واليقين في الله ولم تفارق المصاحف الدبابات ولا المركبات، فأمدنا الله بجنود من جنوده التي لا يعلمها إلا هو، فكان النصر المبين.
رحم الله الرئيس الراحل/ محمد أنور السادات، ورحم الله الشهداء الأطهار، وبارك الله في جيش مصر العظيم، خير أجناد الأرض، وبارك في رجالها الأبرار الذين حولوا الانكسار إلى الانتصار المبين بفضل الله تعالى وعونه وحوله ومدده وقوته وتوفيقه والثقة فيه أولا، ثم بفضل التخطيط والاستعداد والتنفيذ المحكم لقواتنا المسلحة الباسلة. حمى الله مصر وشعبها وأرضها وسماءها وبحارها ونيلها وجيشها وأمنها وقائدها والقائمين على أمرها… وكل عام وحضراتكم بكل خير

زر الذهاب إلى الأعلى