رمضان شهر الانتصارات والتحدي

بقلم فضيلة الدكتور عبد الرحمن سرحان عضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر بمحافظة مطروح

الحمد لله رب العالمين،القائل في  كتابه العزيز: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ ، وأشهد أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه وحده لا شريك  له، وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ..وبعد:
شهر رمضان ليس شهرًا للراحة والنوم والكسل، وممارسة العبادات فحسب،بل شهر جد  وعمل، شعر عزة ونصر، شهر تحولت فيه الأمةُ من الضعف إلى القوة ,ومن الذل إلى العزة , ومن رعاة للإبل إلى زعماء وقادة للبشرية جمعاء, شهر تحقيق الانتصارات الكبرى والفتوحات العظيمة، التي غيرت مجرى التاريخ. ولم تأت هذه الانتصارات إلا بعد أن تمسك المسلمون بكتاب ربهم، وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.وبذلوا أقصي ماعندهم من جد وعمل في تحقيق تلك الانتصارات، ومن أهم تلك المعارك والفتوحات التي تمت في شهر رمضان المبارك:
(غزوة بدر – فتح مكة- فتح الأندلس- عين جالوت – العاشر من رمضان السادس من أكتوبر المجيد،فقد انتصر المسلمون على اليهود، وكان نصراًكبيراً ما زال اليهود يقفون عنده مذهولين مما أصابهم:
غــزوة بـــــــــــــدر
عباد الله:  هل من الصدفة أن أول صدام حقيقي مع مشركي قريش كان في رمضان في غزوة بدر، وآخر صدام مع المشركين في فتح مكة كان أيضًا في رمضان، الإجابة لا لأن الله قال: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ،فغزوة بدر الكبري أول معارك الإسلام الكبرى، تلك الغزوة التي سميت في القرآن الكريم بيوم الفرقان، والتي قال النبي صلى الله عليه وسلم عن رجالها، (لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة)
فقد وقعت هذه الغزوة في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة النبوية، أي بعد خروج المصطفى صلى الله عليه وسلم من بلده مكة مهاجرا مطارداً من قبل مشركي مكة،وقد تبعه أصحابه تاركين أموالهم،وأرضهم،وديارهم،وقد استولى عليها المشركون.
وحقق الله تعالى لعباده المؤمنين الصابرين النصر على عدوهم رغم قلة عددهم، قال تعالى: ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة بسبب قلتهم ولكن الله تعالى نصرهم لصبرهم وثباتهم،﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾.
فــتح مــكــــــــــــــــــة
وفي العشرين من شهر رمضان سنة ثمان من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وقعت غزوة فتح مكة،وكان سبب الغزوة أن صلح الحديبية أباح لكل قبيلة عربية أن تدخل في عقد رسول الله إن شاءت، أو تدخل في عقد قريش، فارتضت بنو بكر أن تدخل في عقد قريش، وارتضت قبيلة خزاعة أن تدخل في عقد رسول الله ، واستعانت بنو بكر بأشراف قريش بعد العهد والعقد، ومكروا بقبيلة خزاعة ، وجاء الخبر إلى رسول الله ، فقام يجر رداءه وهو يقول: ((لا نصرت إن لم أنصر بني كعب مما أنصر به نفسي))، وقال: ((إن هذا السحاب ليستهل بنصر بني كعب، نصرة للمظلوم ووفاءً بالعهد))  فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحاً ناصراً لمن تحالف معه.
رمضان شهر الانتصارات
ففي هذا الشهر (شهر رمضان التى تم فيه فتح مكة) هدم النبي صلى الله عليه وسلم فيه أكثر من 360 صنمًا بداخل الكعبة المشرفة ، التى كانت بداخل الكعبة مايقرب من إحدى وعشرين عاماً من بعثته صلى الله عليه وسلم غير الأعوام التى ظلت بها قبل البعثة، ويختار الله بعد كل هذه الشهور والسنوات السابقة أن تُهد وتُكسر تلك الأصنام في شهر رمضان ويسير إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول وقل جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا.أمعقول أنها صدفة؟ كلا ورب الكعبة
إن هذا الشهر المبارك شهر إعزاز  ونصر للإسلام والمسلمين،فلا يصح ألا يعلم المسلمون تلك المعاني، ويظنون أنه شهر للأعمال الفنية الجديدة، أو الدورات الرياضية، أو  الخيم الرمضانية، ليس هذا هو شهر رمضان الذي يريده سبحانه منًّا.

*و أن هناك عوامل كثيرة للنصر في رمضان،منها:*
1- كثرة التوبة والرجوع إلى الله وعدم الغفلة عن التوبة إليه: قال تعالى: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم }  ، وقال تعالى : { ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً }. 
وعن أبي أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» . فانظر يا عبدالله كم من أيام بل شهور وربما سنوات مرَّت عليك دون أن تستغفر الله تعالى فيها، لتعلم كم أنت مقصر في حق الله سبحانه وتعالى، فاترك التأجيل والتسويف في التوبة فلا تدري قد يأتيك الموت الآن وما زلت لم تتب إلى الله.
فالمسلم يتوقع في كل لحظة نزول الموت به؛ وما بعد الموت من مُسْتَعْتَبٍ، وما بعد الدنيا من دار، إلا الجنة أو النار، ويتفكر في أمر المعاد وهول المطالع، وشدة بطش الله – تعالى – وأليم عذابه؛ قال الله تعالى: “(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ). 
2- الدعاء: فالدعاء أقوى عوامل النصر لدى المسلمين،لاسيما في الغزوات ومجاهدة النفس، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ إذا غزا قال:” اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي؛ وَأَنْتَ نَصِيرِي؛ وَبِكَ أُقَاتِلُ “. 
3- تحقيق التقوى: فهدف الصيام تحقيق التقوى للعبد؛ كما قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ،فالصائم وقت صيامه ترتفع عنده درجة التقوى والإيمان؛ لاجتماع أمهات العبادات من صلاة وصيام وقراءة للقرآن وإنفاق وبر وإحسان وغيرها من الطاعات ؛ فترقى عنده الروح الإيمانية والمعنوية؛ مما يجعله يضحي بحياته وبكل غالٍ ونفيسٍ من أجل إعلاء كلمة الله تعالى.
4-حفظ اللسان: فعن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-:( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه).
فمن لم يستطع أن ينتصر في معركته مع لسانه ــ خاصة وهو صائم ـ لا يمكنه أن ينتصر في معركته مع شيطانه وشهواته ، بل إن الانهزام أمام اللسان وآفاته يؤدي بصاحبه إلى الإفلاس الذي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أتدرون من المفلس ؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع , قال صلى الله عليه وسلم : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة , ويأتي وقد شتم هذا ,وقذف هذا , وأكل مال هذا , وسفك دم هذا , وضرب هذا , فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته من قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار). 
5-ملازمة العبادة: فالعبادة سبب للنصر،قال تعالى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا }.  وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ”. 
نسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال،وأن يحفظ مصر وجيشها من كل مكروه وسوء

زر الذهاب إلى الأعلى