▪️مِنْ أَفْضَلِ العِبَادَاتِ الحَجَّ
بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
▪️مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
إِنَّ الحَجَّ مِنْ أَفْضَلِ العِبَادَاتِ التِي شَرَعَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهُوَ الرُّكْنُ الخَامِسُ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ ، فَرَضَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ ، وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَهُ مَقْرُوناً بِالإِسْتِطَاعَةِ .
قَالَ تَعَالَى :
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً
وَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيْهِ :
بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ لِمَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً .
وَمِنْ تَيْسِيرِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنَّهُ أَوْجَبَ الحَجَّ عَلَى المُسْلِمِ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي عُمُرِهِ ، وَرَبَطَ ذَلِكَ بِالإِسْتِطَاعَةِ .
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ :
الحَجُّ مَرَّةً ، فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ .
وَقَدْ ذَكَرَ العُلَمَاءُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الحَجِّ :
تَخْلِيَةُ الطَّرِيقِ ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يُلْقُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ .
وَمِنَ القَوَاعِدِ المُقَرَّرَّةِ عِنْدَ العُلَمَاءِ :
أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ إِثْمِ الحَرَامِ ، مُقَدَّمَةٌ عَلَى اكْتِسَابِ مَثُوبَةِ النَّفْلِ .
وَلَا يَخْفَى مَا يَحْصُلُ مِنْ الحُجَّاجِ المُتَنَفِّلِينَ الذِينَ حَجُّوا حَجَّةَ الفَرِيضَةِ ، مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ المُسْلِمِينَ المُفْتَرِضِينَ وَإِيذَائِهِمْ ، وَمُزَاحَمَةِ المَكَانِ عَلَيْهِمْ ، وَحُصُولِ المَشَقَّةِ وَالمَهَالِكِ فِي مَوَاطِنِ المَنَاسِكِ وَالمَشَاعِرِ .
المُتَأَمِّلُ لِحَالِ النَّاسِ اليَوْمَ ، يَرَى العَجَبَ ، فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا فِي بَابِ النَّوَافِلِ إِلَّا الحَجَّ ، فَيَا أَخِي المُسْلِمُ :
إِنْ كَانَ لَدَيْكَ مِنْ المَالِ مَا تَسْتَطِيعُ الحَجَّ بِهِ ، وَأَنْتَ قَدْ أَدَّيْتَ فَرِيضَةَ الحَجِّ ، وَتُرِيدُ الأَجْرَ وَالثَّوَابَ مِنْ اللهِ ، فَأَعْطِ هَذَا المَالَ لِمَنْ لَمْ يَحُجْ لِيَحُجَّ بِهِ ، فَيَكُونَ لَكَ أَجْرُ عَظِيمٌ ، فَالدَّالُ عَلَى الخَيْرِ كَفَاعِلِهِ ، وَيَكُونُ لَكَ أَجْرُ العَوْنِ وَالمُسَاعَدَةِ .
فَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا دَامَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ، وَلَكِ أَجْرُ التَّوْسِعَةِ عَلَى إِخْوَانِكَ المُسْلِمِينَ فِي المَشَاعِرِ .
أَبْوَابُ الخَيْرِ كَثِيرَةٌ جِداً ، فَلِمَاذَا نَخْتَزِلُ الخَيْرَ فِي الحَجِّ ، وَالمُؤْمِنُ البَصِيرُ هُوَ مَنْ يَخْتَارُ مِنْ أَعْمَالِ الخَيْرِ مَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَوَاقِعِهِ ، وَمَا يَكُونُ أَرْفَقَ بِزَمَانِهِ وَمَكَانِهِ ، وَلَا يَتَجَشَّمُ أُمُوراً قَدْ يَأْثَمُ فِيهَا ، كَمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ الحَجَّ الحُصُولُ عَلَى تَصْرِيحٍ لِلْحَجِّ ، لِئَلَّا يَقَعَ فِي حَرَجٍ وَمُسَاءَلَةٍ ، فَالتَّعْلِيمَاتُ التِي صَدَرَتْ بِذَلِكَ صَارِمَةٌ ، حِفَاظاً عَلَى أَمْنِ الحُجَّاجِ وَسَلَامَتِهِمْ .
الحَجُّ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ ، يُطْلَبُ مِنْ العَبْدِ فِعْلُهَا بِنَفْسِهِ ، إِنْ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ، فَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِجَوَازِ الإِسْتِنَابَةِ فِيهِ ، وَذَلِكَ فِي الفَرِيضَةِ ، وَفِي حَالِ اليَأْسِ مِنْ فِعْلِهَا .
وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِي البُخَاريِّ :
مِنْ حَدِيثِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا :
أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَارَسُولَ اللهِ ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ الحَجَّ ، أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخاً كَبِيراً ، لَا يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟
قَالَ : نَعَمْ .
وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ :
أَنَّ امْرَأةً قَالَتْ يَارَسُولَ اللهِ ، إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ ، وَلَمْ تَحُجْ حَتَّى مَاتَتْ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا ؟
قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ اقْضُوا حَقَّ اللهِ ، فَاللهُ أَحَقُّ بِالوَفاَءِ .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا كَانَ أَصْلاً فِي الشَّرِيعَةِ ، وَمَا أَوْجَبَهُ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ ، بِنَذْرٍ أَوْ نَحْوِهِ ، وَهَذَانِ الحَدِيثَانِ يَدُورَانِ حَوْلَ حَجَّةِ الفَرِيضَةِ ، وَحَجَّةِ النَّذْرِ وَهُوَ مَا أَوْجَبَهُ العَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بِنَذْرِهِ .
وَهُنَا إِنْتَبِهُوا أَيُّها المُسْلِمُونَ ، لَا بَأْسَ بِالإِنَابَةِ فِي الحَجِّ ، فِي حَجَّةِ الفَرِيضَةِ وَحَجَّةِ النَّذْرِ فَقَطْ وَأَمَّا حَجُّ التَّطَوُّعِ ، وَهُوَ الزَّائِدُ عَنْ الفَرِيضَةِ ، فَلَا يَنْبَغِي الإِنَابَةُ فِيهِ ، لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ تَسَاهَلُوا ، فِي التَّوْكِيلِ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ .
وَقَدْ مَنَعَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللهُ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ مِنْ تَوْكِيلِ القَادِرِ ، شَخْصاً آخَرَ يَحُجُّ عَنْهُ تَطَوُّعاً ، وَلَا يَصْلحُ التَّسَاهُلُ فِي ذَلِكَ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ .
وَأَمَّا حَجَّةُ الفَرِيضَةِ فَتَعَجَّلُوهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
تَعَجَّلُوا الحَجَّ ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ .
نَسْألُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَ المُسْلِمِينَ لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ .