مِنَ الدُّرُوسِ الَّتِي نَتَعَلَّمُهَا مِنَ الْحَجِّ ذِكْرُ اللهِ وَالدُّعَاءُ.. بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركي

أكد فضيلة الشيخ أحمد على تركى، مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف، إِنَّ الْحِكْمَةَ مِنْ خَلْقِ الْإِنْسَانِ هِيَ الْقِيَامُ بِعِبَادَةِ اللهِ كَمَا قال جَلَّ وَعَلَا :{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وَالذِّكْرُ هُوَ رُوحُ الْعِبَادَةِ وَمَعْنَاهَا وَمَبْنَاهَا وَلَيْسَ لِلْعِبَادَةِ مَعْنًى وَلَا قِيمَةٌ إِذَا لَمْ تَكُنِ الْعِبَادَةُ ذِكْرًا للهِ، فَإِذَا كَانَتِ الْحَيَاةُ لِلْعِبَادَةِ ؛ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ مَا كَانَتْ إِلَّا لِلذِّكْرِ ؛ إِذْ إنَّ جَمِيعَ الْأَعْمَالِ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَالذِّكْرُ يَكُونُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ،وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ اللِّسَانِ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ، وَالذِّكْرُ بِالْقَلْبِ التَّفَكُّرُ فِي أَسْرَارِ مَخْلُوقَاتِ اللهِ.

وَالذِّكْرُ بِالْجَوَارِحِ هُوَ أَنْ تَصِيرَ مُسْتَغْرِقَةً فِي الطَّاعَاتِ، فَذِكْرُ اللهِ زَيَّنَ اللَّهُ بِهِ أَلْسِنَةَ الذَّاكِرِينَ كَمَا زَيَّنَ بِالنُّورِ أَبْصَارَ النَّاظِرِينَ ، فَاللِّسَانُ الْغَافِلُ كَالْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ وَالْأُذُنِ الصَّمَّاءِ وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ، وَالذِّكْرُ بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الْمَفْتُوحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ مَا لَمْ يُغْلِقْهُ الْعَبْدُ بِغَفْلَتِهِ، قَالَ تَعَالَى :{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152]، وَقَالَ تَعَالَى :{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَالحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي الصَّحِيحِ، وَسَأَلَ أَعْرَابِيٌّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ : أَنْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ :مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ.

وَفِي صَحِيحَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ :سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ العَظيمِ ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ :أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الْكَلامِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ؟ إِنَّ أَحَبَّ الْكَلامِ إِلَى اللهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ .

إِنَّ الذِّكْرَ مِنْ أَيْسَرِ الْأُمُورِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى بَذْلِ مَالٍ, وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى كَبِيرِ مَجْهُودٍ .
مِنَ الدُّرُوسِ الَّتِي نَتَعَلَّمُهَا مِنَ الْحَجِّ :
مَا يَتَعَلَّقُ بِدُعَاءِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَذِكْرِهِ، وَمَعْلُومٌ مَا لِلذِّكْرِ مِنَ الْفَضْلِ وَأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُقَرِّبُ الذَّاكِرِينَ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَذْكُرُهُ ذَاكِرٌ إِلَّا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى قَبْلَ ذِكْرِهِ إِيَّاهُ ؛ فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي مَلَأٍ ذَكَرَهُ اللهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ، فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي مَلَأٍ ذَكَرَهُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ ، وَالنَّبِيُّ ﷺ بَيَّنَ فَضْلَ الذِّكْرِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ وَالنَّبِيُّ ﷺ كَانَ يَذْكُرُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.

وأما الدعاء: فَإِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، وَفِي الْحَجِّ أَمَاكِنَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَسْتَعْلِنُ بِالدُّعَاءِ وَيُطِيلُهُ جِدًّا، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ شَرَعَ النَّبِيُّ ﷺ لِلذِّكْرِ وَلِلدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ وَالرَّجَاءِ وَالتَّوَجُّهِ إِلَى رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ بِإِنَابَةٍ وَإِخْلَاصٍ سَائِلِينَ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، والنَّبِيُّ ﷺ كَانَ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ مَجْمُوعَةً مَقْصُورَةً مَعَ الظُّهْرِ يَتَوَجَّهُ إِلَى الصَّخْرَاتِ وَيَتَوَجَّهُ إِلَى قِبْلَةِ الْمُسْلِمِينَ رَافِعًا يَدَيْهِ دَاعِيًا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَجْرَ يَدْعُو اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَا شَاءَ، ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى مِنًى ؛ مِنْ أَجْلِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ الْكُبْرَى.

وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدْعُو رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ وَكَانَ يَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الصُّغْرَى فَكَانَ يَرْمِي بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْقِبْلَةِ دَاعِيًا اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دُعَاءً طَوِيلًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ مُكَبِّرًا ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْقِبْلَةِ دَاعِيًا رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دُعَاءً طَوِيلًا ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَهِيَ الْجَمْرَةُ الْكُبْرَى وَلَا يَدْعُو بَعْدَهَا، ثُمَّ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَ الصَّفَا وَعِنْدَ الْمَرْوَةِ بِالدُّعَاءِ الْمَعْرُوفِ
بِالدُّعَاءِ الْمَعْرُوفِ عَنْهُ ﷺ فَهَذِهِ سِتَّةُ مَوَاطِنَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْعُو فِيهَا رَبَّهُ دُعَاءً طَوِيلًا طَيِّبًا، عَلَيْنَا أَنْ نَدْعُوَ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَنْ نَعْلَمَ أَنَّ هَذَا هُوَ أَشْرَفُ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْعِبَادَةِ يَتَعَبَّدُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّالِحُ لِرَبِّهِ جَلَّ وَعَلَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ :

لدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ .

فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَوَجَّهَ دَائِمًا وَأَبَدًا إِلَى اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَنْ نُخْلِصَ الْقُلُوبَ لَهُ حَتَّى يَسْتَجِيبَ لَنَا رَبُّنَا رَبُّ الْعَالَمِينَ .

فَهَذَا مَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْحَجِّ وَأَمَّا الذِّكْرُ :

فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَنَا أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ للهِ جَلَّ وَعَلَا .

وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَإِذَا سَمِعَهُمْ مَنْ بِخَارِجِ الْمَسْجِدِ كَبَّرَ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى مَا هَدَاهُمْ وَعَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ .

عَلَّمَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ نَتَوَجَّهَ إِلَى رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا بِالدُّعَاءِ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ .

وَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ سَمَّى الدُّعَاءَ فِي كِتَابِهِ عِبَادَةً فَقَالَ :

{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي}

أَيْ عَنْ دُعَائِي {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}

[غافر: 60] أَذِلَّةً صَاغِرِينَ .

فَالدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ .

وَأَمَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ حَتَّى بَعْدَ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ فَقَالَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا :

{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا}

[البقرة: 200]

فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ حَجِّكُمْ وَعِبَادَتِكُمْ وَذَبَحْتُمْ ذَبَائِحَكُمْ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالِاسْتِقْرَارِ بِمِنًى فَاذْكُرُوا اللهَ بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ مِثْلَ ذِكْرِكُمْ مَفَاخِرَ آبَائِكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَلْ أَكْثَرَ ذِكْرًا لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلذِّكْرِ وَالْحَمْدِ مُطْلَقًا .
إِنَّ الذِّكْرَ رَأْسُ الْأُصُولِ فَمَنْ فُتِحَ لَهُ فِيهِ ؛ فَقَدْ فُتِحَ لَهُ بَابُ الدُّخُولِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَتَطَهَّرْ وَلْيَدْخُلْ عَلَى رَبِّهِ ؛ يَجِدْ عِنْدَهُ كُلَّ مَا يُرِيدُ .
فَإِنْ وَجَدَ رَبَّهُ تَعَالَى وَجَدَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَإِنْ فَاتَهُ رَبُّهُ جَلَّ وَعَلَا فَاتَهُ كُلُّ شَيْءٍ .
نَسْأَلُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِذِكْرِهِ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِنَا .

زر الذهاب إلى الأعلى