في ذكرى وفاته.. “الأزهر للفتوى” يُعرِّف بسيرة شيخِ العروبة أحمد زكي باشا
كتبت- زينب عمار:
في إطار مشروعه التثقيفي “قدوة” قام مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، بتقديم تعريف لشيخ العروبة أحمد زكي باشا إبراهيم، حيث وُلِدَ «أحمد زكي باشا إبراهيم» عام 1867م، وتُوُفِّيَ أبوه وهو صغير، فكفله عمه الذي كان رئيسًا للمحكمة الابتدائية الأهلية، وتلقى علومه الجامعية في جامعات القاهرة، وتخرج في مدرسة الإدارة (كلية الحقوق) عام 1887م، وقد أجاد اللغة الفرنسية إجادة تامَّة وأتقنها، فكان يكتب ويخطب بها، إضافة لإلمامه بالإنجليزية، والإيطالية، واللاتينية، وكانت حياته متنوعةً في جوانبها، خصبةً في عطائها؛ فقد تميز في الترجمة وإحياء التراث، والتأليف والبحث، والرحلة وحضور مؤتمرات المستشرقين، والعمل بالجامعة المصرية.
وبعد أن حصل على إجازة الحقوق، عمل محررًا في جريدة الوقائع المصرية، وفي عام 1889م عُين مترجمًا لمجلس النظار«مجلس الوزراء»، كما عمل عام 1906م «سر تشريفاتي للخديوي»، وفي عام 1907م عمل سكرتيرًا لمجلس النظار، ثم عين 1911م سكرتيرًا عامًا لمجلس الوزراء، وبقي في منصبه لمدة عشر سنوات، حتى أحيل إلى التقاعد، ثم اتجه إلى العمل في مجال التحقيق والترجمة، وساعده على ذلك معرفته باللغات الفرنسية والإنجليزية الإيطالية، وقد أوقف معظم حياته على إحياء التراث العربي ونشره، وبذل له كل ما يملك من مال وجهد، كما كان له كبير الأثر في مد الجسور بين مصر وأوربا في مجال نشر التراث.
أضاف “الأزهر للفتوى” أنه عمل في المجالس الإدارية لكل من الأزهر والجامعة المصرية، وأول من استخدم مصطلح «التحقيق» على أغلفة الكتب العربية المنشورة، وكذلك أدخل علامات الترقيم في العربية، وقد فصل ذلك في رسالة ألفها في هذا الغرض، بعنوان «الترقيم وعلاماته باللغة العربية»، طبع سنة 1911م، وعمل على اختصار عدد حروف الطباعة العربية من 905 شكلًا، إلى 132 شكلًا، و46 علامة، وقام -بجهده وماله الخاص- بإنشاء مكتبة كانت من كبريات المكتبات في المشرق الإسلامي، وقد قدَّم للمكتبة العربية الإسلامية أكثر من ثلاثين مؤلفًا، كما ترجم العديد من الكتب، بالإضافة إلى مئات المقالات التي كَتَبَهَا في مجموعة من الصحف والمجلات العربية.
ويعد أحمد زكي باشا، من أوائل الرحالة العرب، الذين قاموا برحلات إلى دول أوربا في العصر الحديث، فقد سافر إلى إنجلترا، وفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، كما سافر إلى الشام، وإسطنبول، والقدس، واليمن، وقبرص، وقد تَرَكَتْ هذه الأسفار أثرًا كبيرًا في حياته العلمية والأدبية؛ حيث أتاحت له زيارة عشرات المكتبات، والاطِّلاع على مؤلفات أعلام الشرق والغرب، وقد اختاره الخديوي عباس حلمي الثاني؛ لتمثيل مصر في مؤتمر المستشرقين في «لندن» عام 1892م، ولم يكن قد جاوز الخامسة والعشرين من عمره؛ بسبب كفاءته في الترجمة، وإتقانه العديد من اللغات، وحضر العديد من مؤتمرات المستشرقين، منها: مؤتمر جنيف للمستشرقين عام 1894م، ومؤتمر المستشرقين في هامبورج 1904م، ومؤتمر المستشرقين في أثينا 1912م كرئيس للوفد المصري، وغير ذلك كثير.
أضاف “الأزهر للفتوى” أن «الخزانة الزكية» تعتبر العمل الأكبر الذي قام به أحمد زكي باشا، وخلد ذكره، بجانب ما ترك من العلم والأبحاث والترجمات، وساعدته على تكوينها وظيفتُه المرموقة في الحكومة، ورحلاته المتعددة، وبذله المال بسخاء في سبيل الحصول على ما يريد من كتب ومخطوطات، وقد احتوت مكتبته على مؤلفات فريدة لا نظير لها في مكتبة دار الكتب أو غيرها، واتسعت حتى بلغت حوالي ثمانية عشر ألف كتاب ومخطوط، وبعد وفاته صدر قرار من وزير الأوقاف بنقل «الخزانة الزكية» إلى دار الكتب المصرية؛ لتكون واحدة من أعظم الدعائم التي قامت عليها شهرتها بين دور الكتب في العالم.
وتجددت في ذهن شيخ العروبة فكرة إحياء التراث العربي الإسلامي فتقدم بمشروع لإحياء الأدب العربي إلى مجلس الوزراء، فأقره في جلسته التي ترأسها الخديوي عباس حلمي في أكتوبر 1910م، واعتمد مجلس الوزراء لهذا المشروع مبلغ 9,392 جنيهًا مصريًّا –وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت- تحت إشراف المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية، وقد أخرج هذا المشروع عددًا من الكتب القديمة بتحقيق أحمد زكي باشا منها: (كتاب «الأصنام» لابن المقفع، و«التاج في أخلاق الملوك» للجاحظ، و«مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» للعمري).
وتوفي شيخ العروبة أحمد زكي باشا، يوم 5 يوليو عام 1934م، عن عمر ناهز 67 عامًا، تاركًا لنا ثروة كبيرة من الآراء والأفكار والتصويبات والتحقيقات والترجمات في مجال التاريخ والجغرافيا والأعلام والآثار واللغة العربية، وأعمالًا كثيرة في مجال إحياء التراث العربي، ونقله وتوثيقه، وطبعه، رحمه الله رحمة واسعة.