الصبر مفتاح الفرج بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى :يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَإِنَّ الصَّبْرَ مِفْتَاحُ الأُمُورِ وَسِرُّ نَجَاحِهَا وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْخِصَالِ ، رَغَّبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ : وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَوَالصَّبْرُ أَفْضَلُ عَطَايَا .قَالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ :مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ خَيْرٍ وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ .
وَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى أَجْرَ الصَّابِرِينَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ، فَلاَ نِهَايَةَ لَهُ وَلا مِقْدَارَ قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ :إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍوَالصَّبُورُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم :مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ نِدًّا ، وَيَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ وَيُعْطِيهِمْ وَالصَّابِرُونَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ ، وَأَهْلُ الإِحْسَانِ ، مَدَحَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ : إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلِأَهَمِّيَّةِ الصَّبْرِ قَرَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ : وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِوَالصَّبْرُ خُلُقٌ عَظِيمٌ وَسُلُوكٌ كَرِيمٌ نُمَارِسُهُ وَقَدِ اتَّصَفَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَكَانُوا أَهْلَ صَبْرٍ وَجَلَدٍ ، وَوَطَّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِ ، وَقَدَّمُوا نَمَاذِجَ فَرِيدَةً فِي الصَّبْرِ .قَالَ تَعَالَى : وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
فَهَذَا نَبِيُّ اللَّهِ يَعْقُوبُ صَبَرَ عَلَى فَقْدِ ابْنَيْهِ يُوسُفَ وَأَخِيهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ وَقَالَ :فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًاوَقَدْ أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَصْبِرَ كَمَا صَبَرَ النَّبِيِّونَ مِنْ قَبْلِهِ فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ :فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْفَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ مِثَالاً لِلصَّبْرِ وَالتَّحَمُّلِ .
قَالَ صلى الله عليه وسلم :لَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ ، وَأُخِفْتُ فِي اللَّهِ ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاَثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي ولِبِلاَلٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدِ إِلاَّ شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلاَل .
#لِمَاذَا_نَصْبِرُ لِأَنَّ الصَّبْرَ تَحْصُلُ بِهِ الإِنْجَازَاتُ وَتُبْنَى بِهِ الأَوْطَانُ ، وَالنَّاجِحُ يَحْتَاجُ الصَّبْرَ فِي سَعْيِهِ ، وَالْمُوَظَّفُ فِي عَمَلِهِ ، وَالْمَرِيضُ فِي شَكْوَاهُ وَالْمُبْتَلَى فِي بَلْوَاهُ ، وَالأَبُ فِي تَرْبِيَةِ أَبْنَائِهِ ، وَالأُمُّ مَعَ أَوْلاَدِهَا، وَالزَّوْجَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَالْمُدِيرُ مَعَ مُوَظَّفِيهِ، وَالرَّجُلُ مَعَ عُمَّالِهِ، وَالْمُعَلِّمُ مَعَ طُلاَّبِهِ، وَالطَّالِبُ فِي اجْتِهَادِهِ، وَالْمُثَابِرُ فِي تَحْصِيلِهِ، وَالسَّائِقُ فِي طَرِيقِهِ، وَغَيْرُهُمْ .فَالصَّبْرُ هُوَ مَنْهَجٌ عَمَلِيٌّ وَأُسْلُوبُ حَيَاةٍ ، وَعَاقِبَةُ الصَّبْرِ كُلُّهَا خَيْرٌ .
قَالَ رَسُولُ الله صلى عليه وسلم :عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ .إِنَّ الصَّبْرَ خُلُقٌ مُكْتَسَبٌ ، وَيُمْكِنُ تَقْوِيَتُهُ لَدَى كُلِّ وَاحِدٍ منَّا ، فَإِذَا عَوَّدَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ عَلَى التَّحَمُّلِ وَصَبَّرَهَا ، نَالَ الْعَوْنَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى ذَلِكَ .
فَقَدْ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم :وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ أَيْ : مَنْ دَرَّبَ نَفْسَهُ عَلَى الصَّبْرِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَنَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهُ حَتَّى يُصْبِحَ طَبِيعَةً لَهُ .وَإِنَّ صُعُوبَاتِ الْحَيَاةِ يُمْكِنُ لَنَا أَنْ نَتَحَكَّمَ فِيهَا بِالتُّؤَدَةِ وَالصَّبْرِ وَعَدَمِ الاِسْتِعْجَالِ .#وَقَدْ_قِيلَ فِي التَّأَنِي السَّلاَمَةُ وَفِي الْعَجَلَةِ النَّدَامَةُ .
فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ فَقَدُوا الصَّبْرَ وَلَمْ يَتَحَلَّوْا بِهِ فَاتَهُمُ الْخَيْرُ ، وَوَقَعُوا فِيمَا لاَ تُحْمَدُ عُقْبَاهُ .
#قَالَ_أَحَدُ_الْعُلَمَاءِمَا نَالَ نَبِيٌّ وَلاَ غَيْرُهُ مِنْ عَظيمِ الْخَيْرِ إِلاَّ بِالصَّبْرِ . أَيْنَ يَكُونُ الصَّبْرُ ؟ يَكُونُ الصَّبْرُ عِنْدَ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَالتَّعَامُلِ مَعَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الْيَوْمِيَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى لُطْفٍ وَهُدُوءٍ ، وَتَرْكِ الْغَضَبِ ، وَعَدَمِ الاِنْفِعَالِ .
وَكَذَلك عِنْدَ تَطْبِيقِ الْقَانُونِ وَالْتِزَامِ النِّظَامِ وَانْتِظَارِ الدَّوْرِ وَعَدَمِ تَجَاوُزِهِ ، وَاحْتِرَامِ حُقُوقِ الآخَرِينَ .وَمِنْهَا الصَّبْرُ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُخْتَبَرُ الصَّبْرُ عِنْدَهَا وَيُعْرَفُ ، فَإِنَّ تَحَمُّلَهُ فِيهِ أَجْرٌ عَظِيمٌ .
قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم :وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًافَمَنْ رَضِيَ بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ ، وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يَشْتَكِ إِلاَّ إِلَيْهِ فَهُوَ الصَّابِرُ الْحَقِيقِيُّ .
إعلموا أَنَّ الصَّبْرَ أَجْرُهُ كَرِيمٌ وَجَزَاؤُهُ عَظِيمٌ فَهُوَ يُكْسِبُ صَاحِبَهُ رَاحَةً فِي نَفْسِهِ ، وَاطْمِئْنَانًا فِي قَلْبِهِ وَيُثْمِرُ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَمَحَبَّةَ النَّاسِ وَيُضِيءُ لِلْمُؤْمِنِ حَيَاتَهُ ، وَيُنَوِّرُ لَهُ بَصِيرَتَهُ ، وَيَكُونُ سَبَبًا فِي تَفْرِيجِ كَرْبِهِ ، وَزَوَالِ هَمِّهِ .يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ .
فَلاَ يَزَالُ الْمَرْءُ مُسْتَضِيئًا مُهْتَدِيًا ، وَعَلَى الصَّوَابِ مُسْتَمِرًّا ؛ مَا دَامَ الصَّبْرُ خُلُقَهُ ، وَالتَّحَمُّلُ سَبِيلَهُ .
فَإِنَّ الصَّبْرَ خَيْرُ مُعِينٍ عَلَى تَجَاوُزِ الْعَقَبَاتِ وَمُوَاجَهَةِ الأَزَمَاتِ ، وَتَحْقِيقِ الإِنْجَازَاتِ .
فَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ وَنَازِلَةٍ .
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا بِالصَّبْرِ .