التوسط والإعتدال في كل أمر

▪️بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

▪️مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يدعوان إلى التوسط والإعتدال في كل أمر :

لما كان الإسلام هو دين الله الذي أنزله بعلمه على سلسلة طويلة من أنبيائه ورسله ، ثم أتمه وحفظه في القرآن الكريم وفي سنة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم ، تعهد ربنا تبارك وتعالى بحفظ وحيه الخاتم تعهدا مطلقا ، فقال عز من قائل :

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ

(الحجر: 9).

ويخاطب ربنا تبارك وتعالى أمة الإسلام بقوله العزيز :

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً

(البقرة: 143).

والوسطية في الإسلام هي الإعتدال في كل شيء ، ومن هذا الإعتدال ترشيد كل من الاستهلاك والإنفاق ، وهو من ضرورات استقامة الحياة على الأرض ، وضبط العمليات الإقتصادية والسلوكية فيها .

ولا تستقيم حياة الإنسان على هذه الأرض حتى يصبح الترشيد سلوكا عقلانيا متزنا وملتزما بالموضوعية والحكمة على مستوى كل من الفرد والأسرة والمجتمع .

وهذا الترشيد يتنافى تماما مع العديد من السلوكيات الخاطئة التي يغرق فيها أغلب أهل الأرض من مثل البخل والشح والتقتير ، أو الإسراف والبذخ والتبذير ، كما يتنافى مع كل من الترف المخل والبطر الفاحش ، ويتنافى كذلك مع كنز المال والتقتير في الإنفاق .

وينهى ربنا تبارك وتعالى عن كل ذلك في العديد من آيات كتابه الكريم التي منها ما يلي :

… وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ

(الأنعام: 141).

ويقول تبارك وتعالى :

يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ

(الأعراف: 31).

.. وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ

(التوبة: 34).

ويقول تعالى :

وَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً* إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً .

(الإسراء: 27،26).

ويقول تعالى :

وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً * إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً .

(الإسراء: 30،29).

ويقول تعالى :

وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً .

(الفرقان: 67).

ويقول تعالى :

وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ المُسْرِفِينَ

(الشعراء: 151) .

التوسط والإعتدال في كل من الإنفاق والإستهلاك لا يتعارض مع المتع الحلال :

يدعو القرآن الكريم إلى الاعتدال والتوسط في كل أمر من أمور الحياة الدنيا ، وهذه الدعوة لا تتنافى مع المتعة الحلال بما أفاء الله تعالى على العبد من رزق ، وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى :

قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ .

(الأعراف: 32).

رسول الله ﷺ يدعو إلى التوسط والإعتدال فى كل أمر :

وانطلاقا من هذه الهداية الربانية الداعية إلى التوسط والإعتدال في كل أمر ، يقول المصطفى ﷺ :

“إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده”.

ويقولﷺ :

“كلوا واشربوا، والبسوا وتصدقوا في غير مخيلة ولا سرف”.

ويقولﷺ :

ابدأْ بنفسك فتصدَّق عليها ، فإن فضَل شيءٌ فلأهلِك فإن فضَل شيءٌ عن أهلِك فلذى قرابتِك ، فإن فضَل عن ذي قرابتِك شيءٌ فهكذا و هكذا .

ويقولﷺ :

“إن الله كره لكم ثلاثا :

قيل وقال ، وكثرة السؤال وإضاعة المال”.

ويقولﷺ :

“ما عال من اقتصد ، ومن اقتصد أغناه الله ، ومن بذر أفقره الله”.

ويقولﷺ :

“ثلاث منجيات وثلاث مهلكات :

فأما المنجيات فالعدل في الغضب والرضى ، وخشية الله في السر والعلانية ، والقصد في الغنى والفقر”.

ويقولﷺ :

“لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس :

عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه فيم عمل به”.

وأيضاً :

مر رسول الله ﷺ بسعد بن أبي وقاص وهو يتوضأ فقال:

وما هذا الإسراف؟

فقال سعد : أفي الوضوء إسراف؟

قال ﷺ: “نعم ! وإن كنت على نهر جار”.

وتتضح أهمية تذكير المسلمين بضرورة الإلتزام بالتوسط والاعتدال في كل شيء ، ومن ذلك الرزق الذي يستدعي استخدام القدر المناسب في كل من الإنفاق والإستهلاك دون إسراف أو تقتير ، مع مراعاة التدرج المنطقي من الضرورات إلى الحاجات ثم التحسينات.

وبذلك لا يكون المسلم من المسرفين المغالين في الترف المهلك ، ولا من المقترين الذين يجعلون أيديهم مغلولة إلى أعناقهم ، لأن الله تعالى نهى عن كل ذلك ، وقرر معاقبة كل من المسرف بإسرافه والمقتر بتقتيره في الدنيا قبل الآخرة ، والله تعالى هو القوي العزيز الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

زر الذهاب إلى الأعلى