اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ
بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
لَقَدْ مَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنْ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كِتَابَهُ الْكَرِيمَ، وَحَبْلَهُ الْمَتِينَ وَالذِّكْرَ الْحَكِيمَ، فِيهِ هُدًى لِلنَّاسِ وَرَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ، وَشِفَاءٌ لِمَا فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ
يونس:57
فِي اتِّبَاعِهِ الْهِدَايَةُ، وَفِي تَرْكِهِ الضَّلَالُ وَالْغَوَايَةُ
قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
المائدة:15-16
فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَمَلُّ الْعَبْدُ مِنْ قِرَاءَتِهِ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ .
الزمر:23
لَقَدْ أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنِ اجْتَهَدَ فِي تِلَاوَةِ كَلَامِهِ وَحِفْظِ كِتَابِهِ، وَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ عَظِيمَ الْأَجْرِ وَجَزِيلَ الثَّوَابِ؛ فَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ هِيَ تِجَارَةُ أَهْلِ الْإِيمَانِ .
قَالَ تَعَالَى:
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ
فاطر:29-30
وَمَنْ أَرَادَ رَاحَةَ الْبَالِ، وَطُمَأْنِينَةَ النَّفْسِ، فَعَلَيْهِ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
الرعد:28
فَبِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ تَزُولُ الْهُمُومُ، وَتَذْهَبُ الْغُمُومُ، وَتَنْزِلُ السَّكِينَةُ، وَتَغْشَى الرَّحْمَةُ .
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
فَأَهْلُ الْقُرْآنِ وَالْمُتَدَارِسُونَ لَهُ، هُمْ أَهْلُ اللهِ تَعَالَى وَخَاصَّتُهُ، وَيَلْحَقُ بِهِمْ مَنْ أَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَيَسَّرَ لَهُمْ سُبُلَ قِرَاءَتِهِ وَحِفْظِهِ؛ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟
قَالَ: «هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ؛ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
فَاللهُ تَعَالَى بِالْقُرْآنِ يَرْفَعُ أَقْوَامًا حَفِظُوهُ وَتَدَارَسُوهُ وَتَعَلَّمُوهُ، وَيَخْفِضُ أَقْوَامًا أَهْمَلُوهُ وَتَرَكُوهُ وَأَعْرَضُوا عَنْهُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لَهُ؛ فَلْيَكُنْ مِنَ التَّالِينَ لَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، فَكَمْ ضَيَّعْنَا مِنَ الْأَوْقَاتِ! وَكَمْ فَرَّطْنَا بِهَذِهِ الْحَسَنَاتِ
فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
بَلْ يَكُونُ الْقُرْآنُ سَبَبًا لِرِفْعَةِ دَرَجَاتِهِ فِي الْجَنَّةِ بَعْدَ دُخُولِهَا؛ فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنيَا؛ فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
فَلَا تَبْخَلْ عَلَى نَفْسِكَ بِتِلَاوَةِ شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى، وَأَنْ تَجْعَلَ لَكَ مِنْهُ وِرْدًا وَلَوْ يَسِيرًا؛ فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ قَرَأَ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ:
الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ: أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ .
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
فَحَرِيٌّ بِنَا مَعَ عِلْمِنَا بِهَذِهِ الْأُجُورِ أَنْ نَـكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ، وَأَنْ نُعَوِّدَ أَنْفُسَنَا عَلَى قِرَاءَتِهِ وَتَخْصِيصِ الْأَوْقَاتِ لِتِلَاوَتِهِ .
واحْذَرُوا أَشَدَّ الْحَذَرِ مِنْ هَجْرِ الْقُرْآنِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ؛ فَكَمْ زَالَتْ عَنَّا مِنْ خَيْرَاتٍ! وَمُحِقَتْ مِنْ بَرَكَاتٍ! بِسَبَبِ بُعْدِنَا عَنْ كَلَامِ رَبِّنَا؛ فَالْقُلُوبُ إِنْ لَمْ تَعْمُرْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ عَمَرَتْ بِذِكْرِ الشَّيْطَانِ، فَنَالَهَا الْخِزْيُ وَالْخُسْرَانُ .
فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى
طه:123-126
وَقَدْ حَذَّرَنَا اللهُ مِنْ سُلُوكِ طَرِيقِ الْمُشْرِكِينَ الْهَاجِرِينَ لِكَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا
الفرقان:30-31
وَهَجْرُ الْقُرْآنِ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ، كَهَجْرِ تِلَاوَتِهِ وَسَمَاعِهِ، وَتَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ، وَعَدَمِ تَصْدِيقِ أَخْبَارِهِ.
فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ .