أسباب سعادة البيــــوت بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركي

▪️مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

نِعَمُ اللهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ كَثِيرَةٌ لاَ يُحْصِي لَهَا عَدَدًا كَمَا قَالَ تَعَالَى:

﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾

[النحل: 18]

وَمِنَ النِّعَمِ الَّتِي تُذْكَرُ وَتُشْكَرُ: الرَّاحَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ وَالاِسْتِقْرَارُ الأُسَرِيُّ فِي الْبُيُوتِ، لاَ سِيَّمَا وَنَحْنُ فِي هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي كَثُرَتْ فِيهِ الْفِتَنُ، وَتَنَوَّعَ دُعَاتُهَا، مِمَّا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْنَا الْوُقُوفُ بِكُلِّ جِدٍّ وَحَزْمٍ لِلتَّصَدِّي لَهَا، وَذَلِكَ بِصِدْقِ الاِعْتِمَادِ عَلَى اللهِ، ثُمَّ الْعَمَلِ بِأَسْبَابٍ هِيَ فِي مُتَنَاوَلِ الْجَمِيعِ، يَسِيرَةٌ فِي تَنْفِيذِهَا، عَظِيمَةٌ فِي تَأْثِيرِهَا وَمُخْرَجَاتِهَا، حَيْثُ آثَارُهَا ظَهَرَتْ عَلَى بُيُوتٍ فَاطْمَأَنَّتْ وَسَكَنَتْ، وَخَلَتْ مِنْهَا بُيُوتٌ فَتَخَلْخَلَتْ وَتَفَكَّكَتْ .

فَمِنْ هَذِهِ الأَسْبَابِ:

الإِيمَانُ الْمَقْرُونُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي هُوَ سِرُّ سَعَادَةِ الْبُيُوتِ .

قَالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾

[النحل: 97]

وَمِنْ أَسْبَابِ سَعَادَةِ الْبُيُوتِ:

صَلاَحُ الْوَالِدَيْنِ؛ فَهُمَا الْقُدْوَةُ، وَمِنْهُمْ يَتَعَلَّمُ الأَوْلاَدُ الْخِصَالَ الْحَمِيدَةَ فِي دِينِهِمْ وَأَخْلاَقِهِمْ .

وَكَمَا قِيلَ:

النَّاسُ لاَ يَتَعَلَّمُونَ بِآذَانِهِمْ بَلْ بِعُيُونِهِمْ؛ فَإِنَّ لِلأَفْعَالِ تَأْثِيرًا لاَ يَقِلُّ أَثَرُهُ عَلَى الأَقْوَالِ وَالتَّوْجِيهَاتِ؛ فَصَلاَحُ الآبَاءِ وَفَسَادُهُمْ يُرَى ذَلِكَ فِي الأَبْنَاءِ مِنْ جِهَةِ الْبُعْدِ عَنِ الْمَعَاصِي وَالآثَامِ أَوِ الْجُرْأَةِ عَلَى ارْتِكَابِ الْحَرَامِ .

كَمَا قَالَ تَعَالَى:

﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ﴾

[الزخرف: 22 ]

وَلِذَلِكَ كُلَّمَا تَقَرَّبَ الْوَالِدَانِ بِالطَّاعَةِ للهِ، وَاجْتَهَدَا وَأَخْلَصَا فِي الْعِبَادَةِ فَإِنَّ أَبْنَاءَهُمَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِ؛ فَلَيْسَ انْتِفَاعُ الأَبْنَاءِ مِنْ آبَائِهِمُ الْمَالَ وَالْعَقَارَ فَقَطْ، وَإِنَّمَا انْتِفَاعُهُمُ الأَسْمَى وَالأَكْمَلُ الصَّلاَحُ فَكَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي قِصَّةِ الْخَضِرِ:

﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾.

وَمِنْ أَسْبَابِ سَعَادَةِ الْبُيُوتِ:

قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الْبَيْتِ؛ حَيْثُ إِنَّ لِكَلاَمِ اللهِ تَعَالَى تَأْثِيرًا عَجِيبًا، فَهُوَ طَارِدٌ لِلشَّيَاطِينِ، وَسَبَبٌ لِتَنَزُّلِ الْمَلاَئِكَةِ الْكِرَامِ .

وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ :

لاَ يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلاَّ حَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ .

رَوَاهُ مسلِمٌ

وَهَذَا عَامٌّ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ وَالْبُيُوتِ وَغَيْرِهَا.

وَأَيْضًا قِرَاءَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الْبَيْتِ، فَهِيَ بَرَكَةٌ وَسَعَادَةٌ .

وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ .

وَمِنْ أَسْبَابِ سَعَادَةِ الْبُيُوتِ :

ذِكْرُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَخُصُوصًا عِنْدَ دُخُولِ الْبَيْتِ؛ لأَنَّهُ الْمَكَانُ الَّذِي يَأْوِي إِلَيْهِ النَّاسُ لِيَجِدُوا فِيهِ الرَّاحَةَ وَالأَمْنَ وَالطُّمَأْنِينَةَ .

فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :

أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ .

رَوَاهُ مسلِمٌ

وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى دَخَلَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ أَتْبَاعٍ لَهُ، كَمَا فِيِ قَوْلِ الشَّيْطَانِ :

أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ .

وَمِنْ أَسْبَابِ سَعَادَةِ الْبِيوتِ:

التَّفَاهُمُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا يَخُصُّهُمَا، فَتَبْقَى الْمُشْكِلَةُ وَالْحَلُّ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ دُونِ نَشْرِ ذَلِكَ بَيْنَ الأَوْلاَدِ؛ لأَنَّ الْخِلاَفَاتِ وَالأَصْوَاتَ الْمُرْتَفِعَةَ تُؤَثِّرُ عَلَى بِنَاءِ الأُسْرَةِ السَّعِيدَةِ وَخَاصَّةً عِنْدَ الأَوْلاَدِ.

وَمِنْ أَسْبَابِ سَعَادَةِ الْبِيوتِ:

الْعَدْلُ بَيْنَ الأَوْلاَدِ فِي الْعَطَايَا، فَإِنَّ الْجَوْرَ فِي تَفْضِيلِ أَحَدٍ، بِلاَ مُوجِبٍ وَاضِحٍ قَدْ يُنْشِئُ الضَّغِينَةَ فِي قُلُوبِ الآخَرِينَ فَيَتَفَرَّقُونَ بِسَبَبِ ذَلِكَ

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:

اتَّقُوا اللَّهَ واعْدِلُوا بيْنَ أوْلادِكُمْ .

رَواهُ الْبُخَارِي

اعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ سَعَادَةِ الْبُيُوتِ:

التَّغَافُلُ الإِيجَابِيُّ وَالذَّكِيُّ عَنْ بَعْضِ الزَّلاَّتِ، فَلاَ يَقِفُ الْوَالِدَانِ عِنْدَ كُلِّ دَقِيقٍ وَجَلِيلٍ فِي التَّصَرُّفَاتِ وَاللَّفْظَاتِ، وَلَكِنَّهُ يَمْزُجُ هَذَا التَّغَافُلَ بِالْجَانِبِ التَّرْبَوِيِّ لِتَصْحِيحِ الأَخْطَاءِ وَالْمَفَاهِيمِ، لَكِنَّهُ لاَ تَغَافَلَ عَنْ أُمُورٍ تُخَالِفُ الشَّرْعَ، وَعِلاَجُهَا بِالْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالرِّفْقِ وَالْحِكْمَةِ.

يَقُولُ الإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللهُ :

تِسْعَةُ أَعْشَارِ حُسْنِ الْخُلُقِ فِي التَّغَافُلِ .

فَاتَّقُوا اللهَ وَاحْرِصُوا عَلَى الْعَمَلِ بِأَسْبَابِ سَعَادَةِ بُيُوتِكُمْ، وَاصْبِرُوا، وَصَابِرُوا، وَرَابِطُوا، وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا السَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِتَحْصِيلَ السَّعَادَةِ فِي بُيُوتِنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بُيُوتَنَا عَامِرَةً بِذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

زر الذهاب إلى الأعلى