خطورة الفكر المتطرف على الفرد والمجتمع.. بقلم الشيخ مصطفى محمد امين شلقامى واعظ عام بالأزهر الشريف
الحمدلله رب العالمين القائل فى محكم تنزيله ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)
وأصلى وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد الهادى إلى صراط الله المستقيم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد :
لقد اختص الله عز وجل أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالوسطية والاعتدال قال تعالى:{وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا }[ البقرة : 143]والوسطية هنا تعني الأفضلية والخيرية والرفعة فالأمة وسط في كل شيء وسطية شاملة فهي وسط في الاعتقاد والتصور وسط في العلاقات والارتباطات وسط في أنظمتها ونظمها وتشريعاتها وسط في الإنفاق وسط في كل شيء وحري بالمسلمين أن يعودوا إلى وسطيتهم التي شرفهم الله بها من أول يوم نعم أمة وسطا مجانبة للغلو والتقصير وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم :” خير الأمور أوسطها”، وقال علي ـ رضي الله عنه : عليكم بالنمط الأوسط فإليه ينزل العالي وإليه يرتفع النازل” .. فحري بمن تشددوا في الدين أن يعودوا إلى وسطية الإسلام وحري بمن كفّروا المسلمين وفسقوا المصلحين أن ينهلوا من وسطية الإسلام
وفي مقابل الوسطية والاعتدال نهى الشارع الحكيم عن التشدد والغلو والتطرف
والتطرف الفكري ليس شيء جديد ومستحدث بل هو في الحقيقة ظاهرة قديمة قدم الإنسان ذاته فمنذ وُجد الإنسان على الأرض وهذه الظاهرة تلازم سلوك وتصرفات ومعتقدات بعض البشر.
ومع ذلك ورغم تخطي البشرية آلاف السنين لا تزال هذه الظاهرة تجد من يساندها ويدعمها رغم خطورتها على الحضارة والمدنية الإنسانية.
والتطرف معناه “تجاوز حد الاعتدال والوسطية في الفكر أو الفعل”، وهو سبب لكثير من الأفعال التي يأباها العقل البشري ولا ترتضيها النفس السوية ولكن لخلل ما في نفوس أصحاب التوجه المنحرف والسلوك المتطرف تجد لها قابلية لديهم، فيتعمدون الاعتداء على من يخالف فكرهم ويرون أن التخلص من مخالفيهم هو الحل وتطرف الأفعال يغذيه تطرف في الأفكار فيظن صاحب هذا الفكر أنه يخدم قضيته بما يرتكبه من أفعال إجرامية مرفوضة
والمتطرف شخص خارج عن قيم ومبادئ المجتمع الذي يعيش فيه، وربما يكون قد استقى هذا الفكر من خلال ظروف اجتماعية أو نفسيةٍ ما يمر بها وربما وجد من يوافقه في فكره خارج المجتمع فيميل إلى الإتيان بالأفعال التي ترفضها الأعراف المجتمعية لتحقيق مكاسب سياسية أو تنفيذ أجندات خارجية
والتطرف الفكرى نشأ وظهر لعدة أسباب من أهمها
1- الجهل المركب بمسائل الشريعة: ولا سيما المسائل الدقيقة التي لا يحسنها إلا العلماء، فهم بجهلهم يكفرون من شاءوا ولا يفرقون بين كفر أصغر أو أكبر أو كبيرة وصغيرة ولعل الجهل بأحكام الشريعة من أهم صفات الخوارج الذين كانوا أول من تولى وزر التكفير في هذه الأمة حين كفروا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد وصفهم صلى الله عليه وسلم بقوله:” يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الاسلام كما يمرق السهم من الرمية”. (متفق عليه). يقول الإمام القرطبي مندداً بضلالة الخوارج وقلة فهمهم وتكفيرهم الناس: “ويكفيك من جهلهم وغلوهم في بدعتهم حكمهم بتكفير من شهد له رسول الله بصحة إيمانه وبأنه من أهل الجنة”. وهل هناك جهل مركب بعد هذا الجهل
2- التعصب والولاء والانتماء إلى جماعة أو حزب معين: مع الاقتناع بأفكارهم وجعل التكفير وسيلة في الانتقام من المخالفين وإشهاره سيفاً مسلطاً على رقابهم وهو ما اشتهر في هذا الزمان من أن كل فرقة أو جماعة تكفر مخالفيها؛ يقول ابن تيمية: “ومن البدع المنكرة تكفير الطائفة غيرها من طوائف المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم وهذا حال عامة أهل البدع الذين يكفر بعضهم بعضا وهؤلاء من الذين قال الله تعالى فيهم: { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون } (الأنعام: 159) “
3- حداثة السن وقلة التجارب: وهذا شائع وكثير من شبابنا الطائش الذين تشبعوا بالفكر التكفيري المتطرف وهؤلاء يقول عنهم النبي صلى الله عليه وسلم -: ” يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان قوم سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البريه يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميه لايجاوز إيمانهم حناجرهم “.(البخاري). قال السندي: ” قوله: (أحداث الأسنان) أي صغار الأسنان، فإن حداثة السن محل للفساد عادة. (سفهاء الأحلام): ضعاف العقول”. (حاشية السندي)
4- اتباع الفتاوى المضللة: وهذه هي المصيبة الكبرى فالفتوى بغير علم من أخطر المصائب والمحن التي ابتليت بها الأمة في عصرنا هذا فهي تسوغ لصاحبها فعل كل منكر وقبيح؛ وارتكاب أبشع الجرائم والموبقات بسبب هذه الفتاوي المضللة ولقد بكى سلفنا الصالح بكاءا مريرا من التصدى للفتوى بغير علم يقول الإمام مالك رحمه الله تعالى: أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة بن أبي عبد الرحمن فوجده يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ أمصيبة دخلت عليك؟ فقال: لا ولكن استفتي من لا علم له
أما علاج هذا التطرف الفكري فيكون :
1- تطهير العقول من الأفكار المتطرفة: فمن أهم وسائل علاج ظاهرة التطرف الفكري مواجهة الإرهاب وتطهير عُقول الشباب من الأفكار المتطرفة؛ لأن الناس لو استقامتْ عقولهم، صاروا يفكرون فيما ينفعهم ويبتعدون عما يضرهم لأن مما يذهب بأمن الناس انتشار المفاهيم الخاطئة حيال نصوص القرآن والسنة وعدم فهمهما بفهم السلف الصالح وهل كفر الناس وأريقت الدماء وقتل الأبرياء وخفرت الذمم بقتل المستأمنين وفجرت البقاع إلا بهذه المفاهيم المنكوسة والأفكار المتطرفة المعكوسة
2- اختيار الصحبة الصالحة للأولاد
فعلى الأسرة أن تحسن اختيار الرفقة الصالحة لأبنائها لأن الصاحب يتشبع بفكر صاحبه فلو كان أصدقاؤه صالحين من ذوي الفكر الوسطي أوفياء لوطنهم فإنه يكون أداة بناء أما إن كانوا ممن يحملون أفكارا متطرفة هدامة فإنه يتشبع بفكرهم ويكون معول هدم وتخريب وتدمير وإفساد فينبغي على المرء أن يحسن اختيار الصاحب لأنه يكون على هديه وطريقته ويتأثر به، كما قيل: الصاحب ساحب، حتى لو أردت أن تعرف أخلاق شخصٍ فسأل عن أصحابه
3- نشر وسطية الإسلام والفكر الوسطي
وهذا ما يقوم عليه الأزهر الشريف ويدعوا إليه ويبذل اتباعه قصارى جهدهم في نشر الوسطية والاعتدال في جميع أنحاء العالم حتى تحيا المجتمعات في أمن وأمان وسلم وسلام ورقي ورخاء وسعادة واطمئنان
لأن آفة الانحراف عن الوسطية أو الشذوذ عنها يقود إلى التطرف والجهل والاستبداد والإفساد والقتل والتخريب والإرهاب والتقليد الأعمى والتصرفات المرتجلة دون رؤية وتشاور وتقدير هادئ لعواقب الأمور ولذلك تعاني بعض المجتمعات الإسلامية من تفشي الغلو والتطرف في الدين بين صفوف المراهقين فكرياً، وذلك من خلال تطبيق ممارسات خاطئة بحجة التمسك بالدين وفي الواقع هم أبعد ما يكونون عن الدين الإسلامي الحنيف دين الوسطية والاعتدال كما أن المبتعدين عن وسطية الإسلام يسلكون في حياتهم مسالك وعرة منهجهم القهر والإكراه وسفك الدماء والتخريب ومصادمة المشاعر ونشر الذعر والخوف واستباحة الدماء والأعراض والأموال
واخيرا اقول
إن قلة الحصيله العلميه لدى الفرد تجعله يقع فريسة لاهواء وأفكار الآخرين السلبيه حيث بجهله لا يستطيع أن يفرق بين ماهو صحيح او خطأ وبين الايجاب والسلب فيسلم سلاما تاما لهذه الأفكار موقنا انه على الطريق الصحيح المستقيم وغيره على الباطل
اسأل الله العلي العظيم أن يحفظ بلدنا وشبابنا من كيد الكائدين ومن مكر الماكرين إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وبالله التوفيق والسداد.. وصل الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم