الحفاظ على أرواح وممتلكات أهل الذمة

بقلم فضيلة الدكتور عبد الرحمن سرحان

عضو منظمة خريجي الأزهر بمطروح

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله القائل في محكمِ التنزيلِ: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8) ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وحده لا شريك له وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلي الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم…أما بعد :
قال ابنُ جرير الطبري: لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتَصِلُوهُمْ، وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ جَمِيعَ مَنْ كَانَ ذَلِكَ صِفَتَهُ، فَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ. (تفسير ابن جرير الطبري جـ25صـ 611)
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُنْصِفِينَ الَّذِينَ يُنْصِفُونَ النَّاسَ، وَيُعْطُونَهُمُ الْحَقَّ وَالْعَدْلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ،فَيَبَرُّونَ مَنْ بَرَّهُمْ، وَيُحْسِنُونَ إِلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ. (تفسير ابن جرير الطبري جـ25صـ 612)
قال الإمامُ القرطبي(رحمه الله): دَخَلَ ذِمِّيٌّ (رجل من غير المسلمين) عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِي فَأَكْرَمَهُ، فَأَخَذَ عَلَيْهِ الْحَاضِرُونَ فِي ذَلِكَ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ عَلَيْهِمْ. (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8) (تفسير القرطبي جـ:18 صـ 59:58)
فإن الإسلام هو دين العدل والتسامح مع غير المسلمين، وقد أوصى الله تعالى في كتابه العزيز،وكذلك نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في سُّنته بالمسالمين لنا مِن غير المسلمين خيراَ.من أجل ذلك أحببت أن أُذَكِرَ نفسي وإخواني الكرام بالحفاظ على أرواح أهل الذمة وممتلكاتهم:
أولاً: معنى أهل الذمة:
الذَّمَّةُ: العَهْدُ والأَمانُ والضَّمانُ والحُرْمَةُ والحقُ.وسُمِّيَ أَهل الذِّمَّةِ بذلك لدخولهم في عهْدِ المسلمين وأمانهم. (النهاية في غريب الحديث لابن الأثير جـ2صـ 168

ثانياً: الحفاظ على أرواح أهل الذمة:
إن أهل الذمة في حماية الإسلام والمسلمين كما ذكرنا في التعريف السابق لأهل الذمة، ولهذا فقد حرم الإسلام المساس بأرواح وممتلكات أهل الذمة في أكثر من موضع، نذكر بعضاً منها:
1-روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا. (البخاري حديث 3166
قال الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا) الْمُرَادُ بِالمُعَاهَدِ: هُوَ مَنْ لَهُ عَهْدٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَةٍ أَوْ هُدْنَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ أَمَانٍ مِنْ مُسْلِمٍ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ12 صـ271
2-روى النسائيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حِلِّهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَنْ يَشُمَّ رِيحَهَا. (حديث صحيح)
3-روى النَّسَائيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ آمَنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ، فَقَتَلَهُ، فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا» (حديث صحيح)
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفهم الصحيح إنه ولى ذلك والقادر عليه

زر الذهاب إلى الأعلى