تذَّكرُوا تلكَ العقبةَ الكئُودَ فاقتَحِمُوهابقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى / مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

يقول عزَّ وجلَّ :

{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ }.

واعلموا أنَّ مِن شواهد ذلك وصِدقِه ، وعلاماتِ زيادتِه وقُوَّتِه هذه الأمور :

أوَّلًا:

أنْ تكونوا كما قالَ نبيُّكًم صلى الله عليه وسلم في الحديثِ الصَّحيحِ:

تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى .

وهذا هو الحالُ الذي كانَ عليهِ رسولُ اللهُ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ رضي الله عنهم كما أخبَرَ عنهُم بذلكَ ربُّنا جلَّ وعلا فقال:

{ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }.

وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:

أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ .

وثانيًا:

أنْ تعلموا أنَّكُم بإعانتِكُم لإخوانِكُم المسلمينَ المُتضرِّرين في أبدانِهِم وأهلِيهِم ومنازِلِهم وأموالِهم: المُستفيدُ الأكبر، والمُنتفِع الأعظم، وذلك لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:

مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:

مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ

وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قال :

ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ .

وقال اللهُ عزَّ وجلَّ :

{ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ }.

وثالثًا:

أنْ تتصدَّقوا باستمرار، ولو بالقليلِ، وبِمَا تيسَّر، فقد صحَّ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:

الصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ .

أي: برهانٌ على صِدق الإيمانِ وصِحَّتِه، ولِهذا تجدُ أكثرَ الناسِ إيمانًا باللهِ وبإخْلافِهِ أكثرُهم صدَقَة.

وصحَّ أنَّ أبَا الخيرِ سمعَ عُقبةَ بنَ عامرٍ رضي الله عنه يقول: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول:

كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ .

قال يزيدُ: فَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ لَا يَتَصَدَّقُ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَعْكَةً، وَلَوْ بَصَلَةً .

وثبتَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:

الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ، كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ .

ورابعًا:

أنْ يزدادَ جُودُكُم، وتزدادَ صدقاتُكُم وقتَ زيادةِ الكرْبِ على المسلمين، وحينَ يَعظُمُ نُزولُ الضَّررِ بِهِم، ويَتجدَّدَ حصولُه .

فقد صحَّ عن المُنذِرِ بنِ جَريرٍ عن أبيه رضي الله عنه أنَّه قال:

كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ:

{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً }

وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ:

{ اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ }.

تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ .

فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ .

وخامسًا:

أنْ تعلموا أنَّ المُنْفِقَ على مَن تضرَّر واحتاجَ مُتسبِّبٌ في بَسْطِ رِزقِه، وزيادةِ مالِه، وحُلولِ البركةِ فيه، ودعاءِ الملا ئكةِ لهُ بالرِّزق حيثُ قالَ اللهُ سبحانه:

{ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }

وصحَّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:

مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ .

وصحَّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:

مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا .

وسادسًا:

أنْ تعلموا أنَّ الجودَ والكرمَ والصدقةَ لا يَختصُ بها الغنيُّ وحدَه، وقد صحَّ أنَّه:

زر الذهاب إلى الأعلى