“الإسراء والمعراج.. ومظاهر التكريم للنبي الكريم”

بقلم فضيلة د. عصمت رضوان وكيل كلية اللغة العربية بجرجا وعضو خريجي الأزهر بسوهاج

تٌعد حادثة الإسراء من المعجزات الثابتة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بصريح النص القرآني ، وصحيح السنة النبوية.
يقول سبحانه: { سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } الإسراء : (١).
كما أشار القرآن الكريم إلى رحلة المعراج في مطلع سورة النجم. قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى * ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى } النجم (١٣- ١٨).
وقد تظاهرت على ثبوت رحلة الإسراء والمعراج الروايات المتكاثرة في كتب الحديث المشهورة، وكتب السيرة الموثوق بها.
وقد كانت هذه الرحلة النبوية الميمونة تكريما لشخصه صلى الله عليه وسلم، وتشريفا له عليه أفضل الصلاةوالسلام ، ومن مظاهر هذا التكريم والتشريف:
١ _ الحادثة تسرية عن الحزن وتعويض عن الفقد :
إن حادثة الإسراء والمعراج كانت تكريما وتشريفا للنبي صلى الله عليه وسلم لأنها جاءت تسرية له عما ناله من الأذى والحزن في سبيل تبليغ الدعوة، وقد وقعت الحادثة بعد وفاة السيدة خديجة ووفاة أبي طالب وكلاهما كانا نصيرا للنبي ومدافعا عنه، فالسيدة خديجة كانت نعم الزوجة التي تدافع عن زوجها وتواسيه وتؤنسه وتقويه داخل البيت، وكان أبوطالب عم النبي نعم المدافع عنه خارج البيت، وبعد موتهما اشتد أذى المشركين للرسول وتسلطهم عليه وجحودهم لدعوته مما جعله يذهب إلى الطائف ليطلب منهم الوقوف الى جانب الحق والدخول في الإسلام، إلا انه قوبل منهم بأسوأ استقبال، فجلس في طريق عودته من الطائف تحت بستان لأحدهم يدعو الله ويقول: «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي…».
ومن هناك كان حادث الإسراء والمعراج خلال تلك الأيام الشديدة التي حلت بالرسول تكريما وتشريفا وتسلية وتسرية عن قلبه، فكان الله يقول لنبيه: يا محمد لئن ضاقت عليك الأرض فلن تضيق عليك السماء.

٢_ التكريم بالوصف بالعبودية:
وصف القرآن الكريم النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الإسراء بالعبودية ( سبحان الذي أسرى بعبده ) ، والوصف بها هو درجة عظمى من درجات التكريم.
قال الإمام القرطبي: (لو كان للنبي صلى الله عليه وسلم اسمٌ أشرفَ منه، لسمَّاه به في تلك الحالة العلِيَّة، لمَّا رفعه الله تعالى إلى حضرته السَّنية، وأرقاه فوق الكواكب العُلوية ).

٣_ التكريم بوقوع الإسراء ليلا :
وفي هذا لون من التكريم أشار إليه العلماء بقولهم : (وإنما أسرى به صلى الله عليه وسلم ليلاً لمزيد الاحتفال به عليه الصلاة والسلام فإن الليل وقت الخلوة والاختصاص ومجالسة الملوك، ولا يكاد يدعو الملك لحضرته ليلاً إلا من هو خاص عنده وقد أكرم الله تعالى فيه قوماً من أنبيائه عليهم السلام بأنواع الكرامات وهو كالأصل للنهار ، وأيضاً الاهتداء فيه للمقصد أبلغ من الاهتداء في النهار ).
وقال ابن الجوزي في ذلك : (إن النبي صلى الله عليه وسلم سراج والسراج لا يوقد إلا ليلاً ، وهو صلى الله عليه وسلم بدر، ومسير البدر لا يكون إلا في الظُلَم).

٤_ التكريم باصطفاء الوسائل والمراكب :
اصطفى الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج وسائل الرحلة ومراكبها ، وأشهر هذه الوسائل البراق تلكم الدابة النورانية العجيبة.
وقد ذكر العلائي في تفسيره أنه كان للنبي عليه الصلاة والسلام ليلة الإسراء خمسة مراكب ، الأول : البراق من مكة إلى بيت المقدس ، الثاني : المعراج من بيت المقدس إلى السماء الدنيا ، الثالث : أجنحة الملائكة من السماء الدنيا إلى السماء السابعة ، الرابع : جناح جبريل عليه السلام من السماء السابعة إلى سدرة المنتهى ، الخامس : الرفرف من السماء السابعة إلى قاب قوسين.

٥_ مجيء جبريل لمصاحبة البراق ، وفي هذا تشريف لحضرة المصطفى ، والاحتفاء به صلى الله عليه وسلم .

٦ _ صلاته صلى الله عليه وسلم بالأنبياء والمرسلين إماما : قال القاضي زكريا في «شرح الروض » ، والحكمة في ذلك أن يظهر أنه إمام الكل عليه الصلاة والسلام.
وجاء في رواية أنه عليه الصلاة والسلام صلى في كل سماء ركعتين يؤم أملاكها ، وهذا أيضا تكريم آخر له عليه أفضل الصلاةوأتم التسليم.

٧_ التكريم باستقبال الأنبياء له صلى الله عليه وسلم في السماوات السبع.

٨_التكريم بصعوده صلى الله عليه وسلم إلى مكان لم يصعد إليه مخلوق قبله عليه الصلاة والسلام.

٩_ التكريم بإراءة الآيات الكبرى:
فقد كرم الله عزوجل نبيه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بأن أراه من آياته الكبرى .
يقول الطاهر بن عاشور :
(وإنما اقتصر في التعليل على إراءة الآيات؛ لأن تلك العلة أعلق بتكريم المسرى به، والعناية بشأنه، لأن إراءة الآيات تزيد يقين الرائي بوجودها الحاصل من قبل الرؤية).
١٠_ التكريم بالقرب من الله تعالى ، والدنو من بساط أنسه سبحانه وبحمده ، وفي هذا قمة التكريم وغاية التشريف.
وصلى الله وسلم وبارك على واسطة العقد ودرة التاج ، المكرم بالإسراء والمشرف بالمعراج.

زر الذهاب إلى الأعلى