طاقة نور حوار وتنوير

بقلم- الشيخ محمد جابر كامل السيد      

رئيس شئون القرآن بأوقاف المنيا                                  

عضو منظمة خريجى الأزهر

بأسلوب حوارى قصصى ممتع، يفقهه أبناؤنا الصغار، عالج كتاب: «طاقة نور حوار وتنوير»، الصادر عن المنظمة العالمية لخريجى الأزهر بالقاهرة، قضايا فكرية زلت فيها أقدام أفراد وجماعات، بل دول وحكومات، فارتكبوا حماقات وأفعالاً تلفظها البشرية الرشيدة، وسفكوا الدماء وشوهوا رسالات السماء، وألصقوا بها تهم القتل ونشر العنف وعدم التعايش السلمى مع الآخر، وكأن البشر يعيشون فى غابة، فيها التناكر لا التعارف، فيها التقاتل والاحتراب لا التعاون والتعاضد، فيها الهدم لا البناء.                                     

وهذا الكتاب يقع فى أربعين صفحة من القطع الكبير سنسلط الضوء على بعض القضايا التى تناولها المؤلف الأستاذ عبدالمنعم حسين، حفظه الله؛ ليكون حافزًا للاطلاع على هذا الكتاب القيم واقتنائه.                      

فتحت عنوان «القوى الناعمة»، كانت الدعوة إلى تعليم أبنائنا فنون الحياة، لا فنون الموت، ونشر القيم الإنسانية الأصيلة من التسامح وقبول الآخر لرفع راية الإسلام، مستخدمين الفن الجميل لتهذيب النفس والارتقاء بالمشاعر والعبور والوصول للعالم كله، وليست نصرة الإسلام بتكفير الآخرين وقتلهم؛ فالإسلام دين سلام ومحبة لكل العالمين.           

وفى حوار بعنوان «مَنْ المسىء»، عولج فيه التهور والعنف، الذى مارسه بعض المسلمين ضد من أساءوا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ظنًا منهم أنهم بهذا الفعل ينصرون الإسلام، ورسول الإسلام، وهذا ليس من الإسلام فى شىء، بل هذا الفعل يثبت قولهم: إننا همج متوحشون لا نقبل الغير، والموضوع معالجته تكون بالروية والعلم والحجة والبرهان، قال الله تعالى: «قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ»  (النساء: ١٤٠)، والأمر أن نعود إليهم بعد أن يخوضوا فى حديث غير الكفر لا أن نقتلهم.                      

وتمت المقارنة فى «فيلم وثائقى» بين أمير، الذى يتدرب فى أحد المعسكرات الإرهابية، بداعى الدفاع عن الدين وحمايته، حتى أتقن تدريباته وتدرج حتى أصبح يقتل الأبرياء حماة الوطن وأهل الغرب الآمنين فى بلادهم، بداعى رفعة الإسلام، ثم يسجد أمير على أشلاء القتلى ودمائهم سجدة رمزًا للإرهاب ووصمة عار فى جبين الإسلام، وبين محمد صلاح، الذى كان لاعبًا بنادى المقاولون العرب بمصر،  وتلقى تدريبات شاقة وتفانى فى عمله، حتى التحق بأكبر نوادى أوروبا.

 دخل محمد صلاح المجتمع الأوروبى متمسكًا بدينه وحُسن خلُقه، ونال حب وتقدير الجميع من الزملاء والجماهير، وكلما حقق محمد نجاحًا يسجد شكرًا لله رب العالمين، وتُقابل هذه السجدة بالتقدير والاحترام والحب؛ فالإسلام هو دين عمل واجتهاد ومكارم أخلاق، وعلينا أن نثبت أن قوتنا فى إتقان عملنا فى كل المجالات، وديننا دين كل العصور والقطع لكل الرياضيات؛ فهناك فرق بين سجدة وسجدة.               

وكثيرًا ما نسمع من الدواعش أنه لا بد من تجييش الجيوش، لغزو العالم مرة أخرى تحت رأيه الإسلام وسبى النساء…  مع أن الإسلام لم يك غازيًا مهاجمًا؛ فالله عز وجل يقول: «وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» (البقرة: 190)، والله وصف حبيبه، صلى الله عليه وسلم، بقوله: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (الأنبياء: ١٠٧)، ولم ينتشر الإسلام بالسيف كما يزعمون، بل بذاتيته وبتعاليمه وأخلاق حملته من الرحالة والتجار، فهل انتشر الإسلام فى إندونيسيا أو ماليزيا عن طريق الفتوحات؟                         

والوطن حبه مركوز فى النفس البشرية، رسخ حبه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذى اضطر للهجرة من مكة إلى المدينة، ونظر إلى المدينة، وقال قوله المشهور: «والله إنك أحب البلاد إلى الله وأحب البلاد إلى نفسى ولولا أن قومك أخرجونى منك ما خرجت» (أبويعلى الموصلى ح ٢٦٦٢ من حديث ابن عباس). وبعد هجرته إلى المدينة، قال، صلى الله عليه وسلم، داعيًا ربه: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا لمكة أو أشد» (متفق عليه)، ولما قال النبى، صلى الله عليه وسلم،: «مَنْ قُتِل دون ماله فهو شهيد ومَنْ قُتِل دون أهله فهو شهيد ومَنْ قُتِل دون دينه فهو شهيد» (رواه أبوداوود والترمذى)، وما الوطن إلا مال وعرض ودين فيجب على المحبين لوطنهم ألا يجروا وراء الشائعات وإرجاع الأمر إلى أهله، «وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِۖ»  (النساء:  : ٨٣) ثم أمرنا بالتثبت: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» (الحجرات: ٦)، ومهما حاول أعداء الإنسانية من وقيعة بين أبناء الأمة الواحدة، ومهما فجروا أماكن العبادات وقتل المصلين وترويع الآمنين، مثل تفجير الكنيسة المرقسية بالعباسية، وبئر العبد بسيناء، وما يحدث فى الكمائن من قتل الجنود العزل، فهذا كله لن يجعلنا ننكسر للإرهاب الغاشم.                     

ولما كان الإسلام قد سبق التشريعات والشرائع فى تقرير حقوق الإنسان، وراعى أخوة الوطن فنحن شعب واحد، وأن رسالات السماء تدعو للسلام والمحبة والتعايش السلمى.. فالكتاب جدير بأن يُقتنى ويُقرأ مرة ومرة، ويُتاح لأبنائنا؛ حتى يتعلموا أمور دينهم ويتحصنوا ضد العنف والإرهاب وإراقة الدماء والإفساد فى الأرض.

زر الذهاب إلى الأعلى