الانتحار أسبابه وعلاجه بقلم الشيخ مصطفى شلقامي واعظ بالأزهر الشريف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد ..ففي كل عام يموت الآلاف من الناس منتحرين بعمليات مختلفة، إما بالحرق، أو الشنق، أو الرمي من مكان شاهق، أو تناول السم والمواد الضارة، أو إطلاق النار، .. أو غير ذلك.

وهذه الظاهرة الخطيرة التي انتشرت في بلاد العالم، تحتاج منا إلى وقفات وتأملات للاطلاع على الأسباب، والعلاج، والحكم الشرعي فيها.

وقد دَلَّتِ النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن الانتحار من أعظم الذنوب عند الله، قال تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا } [الفرقان:68 – 69]. وقال تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما } [النساء:29].

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا ، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديده فحديدته فى يده يجأ بها في بطنه فى نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الَّذِي يخنق نفسه يخنقها فى النار ، والذى يطعنها يطعنها في النار » وفي الصحيحين من حديث ثابت بن الضحاك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل نفسه بشئ في الدنيا ، عذب به يوم القيامة) والمنتحر مصيره إلى النار والجنة عليه حرام.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان برجل جراح فقتل نفسه ، فَقَالَ اللَّهُ:

بدرنى عبدى بنفسه ، حرمت عليه الجنة) وبعد التأمل والاطلاع على الإحصائيات العالمية وأحوال الناس، يتبين أن من أسباب الانتحار:

أولًا: الهم والقلق النفسي والضيق الذي يشعر به الإنسان المُقْدم على الانتحار، حيث تصبح الحياة لا قيمة لها عنده، ويريد التخلص مما يعانيه، والغالب ذلك في الكفار، وقد يحصل من بعض المسلمين عند ضعف الإيمان.

وصدق الله إذ يقول: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال ربي لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك ايتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى }

ثانيًا: تراكم الديون والحقوق ومطالبة أصحابها بها والخوف من عواقب ذلك، وفقدان الوظيفة أو عدم الحصول عليها بعد البحث والانتظار لسنوات عديدة، والبقاء عاطلًا بلا عمل.

ثالثًا: الخسارة المالية الكبيرة التي تسبب الصدمة العنيفة لصاحبها على سبيل المثال (خسارة الأسهم المشهورة في السنوات الماضية).

رابعًا: الأمراض النفسية المزمنة، كحالات الاكتئاب الشديدة، أو انفصام الشخصية، وأثبتت الدراسات أن (90%) من حالات الانتحار كانت بسبب الاكتئاب.

خامسًا: استعمال المخدرات والمسكرات، فإنها تسبب تلف خلايا المخ، وبالتالي يصبح المدمن عرضة للانتحار في أي وقت.

سادسًا: المشاكل الأسرية والتي تؤدي إلى الطلاق، وتشتت الأسر، والعزلة عن الناس.

سابعًا: سجلت حالات انتحار لأطفال لم يبلغوا الحلم، إما بسبب تقليد الأفلام الكرتونية، أو لعدم احتواء مشاكلهم، واضطراباتهم السلوكية، أو لغير ذلك.

ثامناً : ويلحق بهذه الأسباب قيادة السيارات بطريقة غير صحيحة، كمن يسرع سرعة شديدة تؤدي إلى عدم السيطرة على السيارة تحت أي ظرف يتعرض له، أو القيادة بشكل معاكس للطريق، أو التفحيط أو المسابقة بالسيارات .. أو غير ذلك مما يفعله السفهاء.

ولعل من الحلول المناسبة لهذه الجريمة الخطيرة:

أولًا: تقوية الوازع الديني لدى الناس وتذكيرهم بالتوكل على الله وتفويض الأمر إليه سبحانه، قال تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وان يمسسك بخير فهو علي كل شئ قدير } [الأنعام:17].

والصبر على البلاء، وأن يسعوا في الرزق، فليس مرتبطًا بالوظيفة، أو الشهادة الدراسية، فكم من أُمِّيٍّ لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك يملك الأموال الطائلة؟! قال تعالى: {وفى السماء رزقكم وما توعدون } [الذاريات:22].

ثانيًا: الاقتصاد في المعيشة، والبعد عن الإسراف، وأن يقتصر الدين على الحالات الضرورية القصوى، قال تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين } [الأعراف:31].

ثالثًا: التداوي بالقرآن، فإن فيه الشفاء لكل الأمراض النفسية والعضوية، قال تعالى: { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } [فصلت: 44]. وقال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين } [الإسراء: 82]. واستعمال العقاقير الطبية الموصوفة من الأطباء المتخصصين الموثوق بهم.

رابعًا: بث الوعي الديني بخطورة العجلة في قيادة السيارات، والالتزام بأنظمة المرور، قال تعالى: {ولا تلقوا بايديكم إلي التهلكة } [البقرة: 195]، وبيان فوائد الالتزام بآداب القيادة، وما فيها من المصالح وما يدرأ بها من المفاسد، وإحالة المخالفين إلى المحاكم الشرعية لمعاقبتهم بما يقتضيه الحكم الشرعي.

خامسًا: إبعاد الأفلام، والمسلسلات الكرتونية، أو التلفزيونية التي تحتوي على العنف، أو الانتحار عن الأطفال، واستبدالها بما ينفعهم في دينهم ودنياهم.واخيرا اقول ان المنتحر ليس بكافر كما بينت دار الإفتاء المصرية بل هو مرتكب لكبيره من أكبر الكبائر وهى قتل النفس كما نصت على ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبويه الشريفه نسأل الله السلامة والعافية وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

زر الذهاب إلى الأعلى