مخارج النجاة ضمن لفاف الإجحاف
بقلم: أحمد الأرياني
اليمن – كلية الطب
إن المسلم اليوم مُحاط بكومٍ من التضييقات والعراقيل والمشاكل المفتعلة وغير المفتعلة، الحقيقية منها والمفبركة، المقصودة لضرب كيانه فى العمق وغير المقصودة، هى شاكلة من المحن إن صح القول أو التلميح، وإن كان مصطلح المحن أرحم وأخف وجعًا من كلمة الظلم، ربما يكون المسلم اليوم وحين أقول المسلم فالتاء واردة لتأنيث الكلمة لتشمل المسلمة أيضًا، ربما يكون قد لاحظ حجم التكالبات عليه وأكثر الناس ضررًا أولئك الذين يملكون إيمانًا قويًا لا يتزعزع، بل ربما يترنح مرات من شدة قوة الضربات التى يتلقونها فى خاصرتهم، لكن هذا لم يمنع كيان المسلم العتيد أن يقاوم بأى شىء يملكه حتى وإن احترق هو فى ذاته ضمن طابور الوجع والتحمل بالمزيد من الصبر، ليس يضاهى فى تلك الحرب المشمول بها كيانه ومستقبله سوى أنه يريد خلاصًا ونجاة مما يدور حوله، بل مما يخنقه يومًا بعد يوم.
إنه صراع الخير والشر، صراع الثبات والتململ، صراع الحق والباطل، كل ذلك لم يكن مجرد عنوان لقصيدة اسمها الحرمان، بل هى أزيج من تحدى الذات لكل ما يحيط بها من تناقضات وتباعدات لمن ظن فيهم المسلم المبتلى خيرًا وأملًا.
لا يكفى هذا الوجيز لمعنى الصراع أو لمعنى المكابدة، لكنها حقيقة نسجت خيوطها حول رقبة من باتوا اليوم يعانون الأمرين، إما النجاح والخلاص وإما البقاء فى سدة التعطيل بلا حلول ولا بداية انفراج، لكن العجب أن الراوى لقصة العشق بين تراث اليوم وتراث الأمس، بين تاريخ الأجداد وتاريخ الأسلاف المبتدئ حينًا حتمًا سيجد أن نواميس الطبيعة تلقى هى الأخرى بظلالها لتلف المسلم وتدفئه ربيعًا وصيفًا، لتنسحب بحنان دفئها خريفًا وشتاء ومِن ثَمَّ هذا الدفء المؤقت غير كافٍ، بل ربما ليس هو المطلوب لاحتواء عزيمة المسلم ضمن إطار الكفاح والنضال المستمرين، إنما المطلوب هو عن مكمن مخارج النجاة وكيف هى بداياتها ومتى تبدأ هذه المقدمات ولماذا تأخرت فى الحضور، حتى لا يظل المسلم سجين التخبط والمعاناة وهو من يحمل قرآنًا عربيًا بيد ويرتكز على الإصرار فى أن يبقى ثابتًا بيد أخرى، لسنا نعلم إن كان المسلم حقيقة يعرف كيف ينقذ نفسه إن هى غابت شروط المؤازرة والتضامن والمواساة من الغير، لا نعرف حقيقة إن كان على المؤمن الآن وليس المسلم فى هذا الطرح تحديدًا أن يلف نفسه بنفسه ليحتويها ويهدأ لوحده إن ثارت فى وجهه تبعات العناد من الآخرين إذا زادوه وجعًا وإنكارًا، حقيقة معاشة اليوم فى ظل ما تفتقد إليه الأسر من الوقوف مليًا فى قضاياها المعاصرة التى باتت شبه قوية، لأن العولمة نالت من قوامتها الكثير؛ فطغت الأنانية وتمادت المادية واستولت الأنا على الإجماع وتغطرست الحيلة على الأمان؛ فصار المؤمن حيران بين أن يستمر ويقاوم أو يهدأ وينقطع عن الدنيا وما فرضته عليه من آلام و متاعب.
تبقى روزنامة الحياة مستمرة بغروب شمس وبزوغ فجر واقتراب غروب إسدال ليل لسواده، فهى لن تنتظر أحدًا لأنه قاموس منظم لتواتر الأيام بعضها يلى البعض، وما على المسلم اليوم إلا أن يستمر حتى وإن أصرت مخارج النجاة أن تبقى مقفلة أو غامضة أو مبهمة أو مضببة، فتلك المقاومة هى الأصل فى الثبات، وذاك الصمت هو لب الجهاد، ومِن ثمَّ فمسار المؤمن بإسلامه وعقيدته تجعل منه عبدًا متحررًا قبل الأوان؛ لأنه تضرع إلى الله فى مساءلة مستمرة عبر صلوات مرتبة وله أن يلتزم بتحسين الأداء الأخلاقى أينما حل وارتحل حتى ينقح نفسه من الشوائب التى علقت به أثناء حلول الأزمات به وعند ارتحال الوجع منه؛ لأنه فى حقيقة الأمر لا شىء باقيًا على حاله ولا موقف يظل بلا حل ولا مرض يبقى بلا شفاء أو خلاص، كل موجود حى فى هذه الدنيا مطلوب منه أن يسعى بحسب ما يمكله من إمكانات وان تعذرت فعليه السعى بذاته وما تحمله من معانى الصبر والتواضع والتفاؤل.
هى أقدار جميلة فى باطنها مزعجة فى ظاهرها، لكن تبقى مخارج النجاة ضمن الغيبيات التى لا يعلم مفاتحها إلا الله، ومادام العلم عند الله فلا تسأل عن مخارجها مرة أخرى واكتف بالصبر الجميل وقت الضيق وبالدعاء النافع وقت الحاجة وكل سيلى بعضه من الفرج تباعًا بلا موعد ولا استباقية للقطة فرحة، لأن الكل سينساب على بعضه بعضًا يكمل الآخر فى مشهد جميل تقر له عينك وتطيب به روحك، استدرك آهاتك وخاطب نفسك فى تمتمة هادئة أن الله سيجعل بعد عسر يسرًا.. وهو يقين، وإلا ما تكرر الانفراج مرتين أن بعد العسر يسرًا.