الإسلام دين الوسطية بقلم / د. أحمد علي عبد الساتر كلية الآداب/ جامعة الوادي الجديد
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الأمي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم.
جاء الإسلام بشريعته الغراء موافقةً لطبيعة البشر التي فطرهم الله عليها في غير إفراطٍ ولا تفريط. فيقول المولى- عز وجل- (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) سورة البقرة 143
فالشريعة الإسلامية تدعو دائماً إلى التسامح والاعتدال في كل شيء ونبذ التطرف والمغالاة في كل شيء.
وفي ذلك يقول أسعد الخلق- صلى الله عليه وسلم- : ( إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا، وأَبْشِرُوا، واسْتَعِينُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ).
الراوي :أبو هريرة | المحدث :البخاري | المصدر :صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 39 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.
كما أمر الإسلام الحنيف بالتوسط والاعتدال في كل أمور الحياة الدينية والدنيوية؛ فالدين الإسلامي وسط بين رعاية حقوق الفرد وحقوق المجتمع، ووسطية الإسلام تسعى إلى تحقيق التوازن في حياة الإنسان الروحية والمادية وفق فطرة الله التي فطر الناس عليها، والتعامل وفق هذا الفهم المتوازن؛ لأن الإسلام دين يراعي متطلبات الروح والجسد معًا على السواء .
ومعنى الأمة الوسط أنها أفضل الأمم وخيرها وأعدلها وأكملها وأبعدها عن الغلو والإفراط والتفريط والتطرف، فالأمة الإسلامية هي أمة الخيرية التي حملت النور المبين بالقرآن الكريم في آخر رسالات الله- سبحانه وتعالى- إلى البشر جميعًا عبر العصور والأزمان، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) سورة التوبة 33
ولا يوجد دليل على وسطية الإسلام واعتداله وتسامحه أكبر من نهي النبي- صلى الله عليه وسلم- الصحابة الكرام عن قتل كل من نطق الشهادة ولو بلسانه فقط، ومصداقًا لذلك ما ورد في صحيح الإمام البخاري- رحمه الله- عن الصحابي الجليل أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- قال: (بَعَثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى الحُرَقَةِ مِن جُهَيْنَةَ، قالَ: فَصَبَّحْنَا القَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، قالَ: ولَحِقْتُ أنَا ورَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ رَجُلًا منهمْ، قالَ: فَلَمَّا غَشِينَاهُ قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، قالَ: فَكَفَّ عنْه الأنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ برُمْحِي حتَّى قَتَلْتُهُ، قالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذلكَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: فَقالَ لِي: يا أُسَامَةُ، أقَتَلْتَهُ بَعْدَ ما قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟! قالَ: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّما كانَ مُتَعَوِّذًا، قالَ: أقَتَلْتَهُ بَعْدَ ما قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟! قالَ: فَما زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّي لَمْ أكُنْ أسْلَمْتُ قَبْلَ ذلكَ اليَومِ.
الراوي : أسامة بن زيد| المحدث : البخاري | المصدر :صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 6872 | خلاصة حكم المحدث : صحيح.
فالإسلام دين متجدد يواكب كل العصور المتقدمة ويتمشى مع التكنولوجيا الحديثة بما يفرج عن النفس كل كرب، ويبعد عنها كل ضيق في غير إفراطٍ ولا تفريط، وفي ذلك يقول أسعد الخلق- صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الإمام النسائي-رحمه الله- في سننه، عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- أنه قال: (قالَ لي رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ غداةَ العقبةِ وَهوَ على راحلتِه: هاتِ القِطْ لي. فلقطتُ لَهُ حصياتٍ هنَّ حصى الخَذفِ، فلمَّا وضعتُهنَّ في يدِه، قال: بأمثالِ هؤلاءِ، وإيَّاكم والغلوَّ في الدِّين، فإنَّما أَهلَكَ من كان قبلَكمُ الغلوُّ في الدِّينِ).
الراوي :عبدالله بن عباس | المحدث :الألباني | المصدر :صحيح النسائي
الصفحة أو الرقم: 3057 | خلاصة حكم المحدث :صحيح.
التخريج : أخرجه النسائي (3057) واللفظ له، وابن ماجه (3029)، وأحمد (3248)
وصلى الله على سيدنا محمد النبي العربي الأمي الأمين وعلى آله وصحبه وأجمعين وسلم تسليماً كثيراً.