دروس الهجرة النبوية.. على مر العصور والأزمان

بقلم د.أحمد علي عبد الساتر
كلية الآداب/ جامعة الوادي الجديد
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الأمي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم.
تلعمنا و ما زال العالم كله يتعلم إلى يومنا هذا و إلى أن تقوم الساعة دروساً عظيمة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، نذكر منها -على سبيل المثال- لا الحصر نذكر منها ما يلي:
أولاً: الأخذ بالأسباب:
لماذا لم يؤمر الله سبحانه و تعالى جبريل بأن يحضر البراق إلى رسول صلى الله عليه وسلم كما حدث في رحلة الإسراء والمعراج وينقله من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في لمح البصر؟ أو لماذا لم يقل المولى عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم كن في المدينة فيكون في المدينة في لمح البصر ؟
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختار أن يأخذ بالأسباب حتى يكون لنا قدوة في الأخذ بالأسباب، فاختار أن يمضي في هذه الرحلة الشاقة و أن يبيت في غار ثور إثني عشر ليلة و أن يستأجر دليلاً يهودياً ليدله على الطريق وسط هذه الصحراء القاحلة الجرداء التي لا زرع فيها ولا ماء حتى يكون أسوة وقدوة لنا في الأخذ بالأسباب في كل أمورنا الحياتية وصدق الله عز وجل إذ يقول في كتابه العزيز: لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) ]الأحزاب: 21[

ثانياً: التضحية والفداء:
ضرب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أروع الأمثلة في التضحية والفداء في الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حيث تركوا ديارهم و أموالهم وأولادهم فارين بدينهم من أرض الشرك إلى أرض الإيمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتمكنوا من عبادة الله سبحانه وتعالى حق العبادة، والدليل على ذلك ما حدث مع الصحابي الجليل صهيب الرومي حينما أراد الخروج من مكة مهاجراً إلى المدينة قال له مشركو مكة : واللهِ لا ندعك تفوز منا بنفسك وبمالك ، لقد أتيت مكة صعلوكاً فقيراً فاغتنيت وبلغت مابلغت، فقال صهيب: أرأيتم إن تركت لكم مالي، أتخلون سبيلي؟ قالوا : نعم، فدلهم على موضع ماله في بيته في مكة ، فمضوا إليه وأخذوه منه ثم أطلقوا سراحه .
أخذ صهيب يغد السير نحو المدينة فاراً بدينه إلى الله غير آسف على المال الذي أنفق في جَنيْهِ زهرة العمر، وكان كلما أدركه الونى وأصابه التعب استفزه الشوق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعود إليه نشاطه ويواصل سيره ، فلما بلغ (قباء) رآه الرسول صلوات الله وسلامه عليه مقبلاً فهشَّ له وبشَّ وقال : (رَبحَ البيعُ يا أبا يحيى ، رَبحَ البيعُ) وكررها ثلاثاً .فعلت الفرحة وجه صهيب وقال : والله ماسبقني إليك أحدٌ يا رسول الله ، وما أخبرك به إلا جبريل .
و نزل في صهيب قول الله عز وجل : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) ]البقرة: 207[
ثالثاً: التفاؤل و الاستبشار حتى في أحلك الظروف:
كان النبي صلى الله عليه وسلم دائم البشر حتى في أحلك الظروف وذلك لأنه كان واثقاً في نصر الله سبحانه وتعالى له حيث قال الله في كتابه العزيز ( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [ سورة المجادلة: 21].
ويظهر ذلك جلياً في موقف سراقة بن مالك الذي جاء يقتفي أثر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر -رضي الله عنه- طمعاً فيما وعدته به قريش وهو المائة ناقة وقال له النبي صلى الله عليه وسلم أسلم يا سراقة وأعدك أنك سوف تجلس على عرش كسرى وسوف تلبس سوار كسرى وبالفعل تحقق لسراقة بن مالك ما وعده النبي صلى الله عليه وسلم.
وصلى الله على سيدنا محمد النبي العربي الأمي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً.

زر الذهاب إلى الأعلى