معاهدة «ستارت الجديدة» (2-2)

بقلم: أ. د.عبد الدايم نصير، مستشار شيخ الأزهر – أمين عام المنظمة العالمية لخريجى الأزهر.

.. يتابع ماثيو بَن، المتخصص فى متابعة السياسات النووية من جامعة هارفارد فى مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية: إن قنوات الحوار غير الرسمية خلال الحرب الباردة ساعدت فى التخفيف من حدة التوترات بين القوتين النوويتين- روسيا والولايات المتحدة- فهل لا تزال تلك القنوات قائمة؟

انقطعت الغالبية العظمى من قنوات التواصل فى هذا الشأن بين الولايات المتحدة وروسيا، وكثير من قنوات الحوار غير الحكومية المعنية بذلك بين الطرفين اندثرت كذلك.

ويبدو أن المعسكر الروسى قد وجه تعليمات إلى العاملين فى قطاع الأسلحة النووية لديه، والمتقاعدين من هذا القطاع، إلى عدم المشاركة فى أى من قنوات الحوار تلك، ومِن ثمَّ، فإن مثل هذه المحادثات التى اعتدت إجراءها بصفة دورية مع نظرائنا الروس توقف انعقادها.

مع ذلك، واصلت الأكاديميات الوطنية فى روسيا والولايات المتحدة الحوار القائم بينهما حول الحد من التسلح النووى.

ولن أزعم أن تلك المناقشات جرت بسلاسة، فقد وجدنا خلالها أن إضاعة الكثير من الوقت فى الجدال حول الطرف المخطئ والطرف المحق فى الحرب لن يفضى إلى نتائج مفيدة. بيد أن ذلك الحوار لا يزال قائمًا وقد طلبت حكومتا البلدين مواصلته.

كان ماثيو بَن، الباحث فى مجال السياسات النووية، قد أمضى عقودًا فى العمل على بناء وتعزيز العلاقات مع الجانب الروسى فى مفاوضات مع الباحثين وعلماء الطاقة النووية والمسئولين العسكريين من هذا المعسكر.

  • ما رد الفعل الذى ينبغى أن تتخذه الولايات المتحدة وغيرها من الدول النووية استجابةً للقرار الروسى؟
  • تحتاج الولايات المتحدة إلى الالتزام قدر المستطاع بمعاهدة «ستارت الجديدة»، كما عليها أن تقنع روسيا مرة أخرى بالعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن عمليات التفتيش النووى، وأرى أن علينا بذل قصارى جهودنا كى نبقى على الأقل على الالتزام بالحد الأقصى لعدد الرءوس النووية التى يمكن حيازتها، الذى فرضته معاهدة «ستارت الجديدة»، وهو حد صرحت روسيا بدورها برغبتها فى الالتزام به. كما ينبغى بحث السبل التى تمكِّن من العودة إلى طاولة المفاوضات حول موضوعات لا تقتصر على الحد من التسلح، بل تشمل كذلك المحادثات حول العلاقات العسكرية بين روسيا والدول الأخرى، وغير ذلك من التدابير الرامية إلى تقليص خطر الوقوع خطأَ فى شَّرَك نزاع نووى تنأى جميع الأطراف بنفسها عنه.
  • روسيا بلد واحد، ومعاهدة «ستارت الجديدة» ليست إلا معاهدة واحدة. فماذا عن تداعيات هذا الوضع فيما يخص سائر دول العالم؟
  • إذا تأملنا المشهد النووى حاليًّا، سنجد عداءً متزايدًا بين الولايات المتحدة والصين، كما نواجه أيضًا كوريا الشمالية وترسانتها النووية المتنامية، فضلًا على الهند وباكستان وما تمتلكانه من ذخيرة نووية متزايدة، ولا ننسى إيران التى تشارف حاليًا على امتلاك القدرة على إنتاج ترسانة نووية بعد انهيار الاتفاق النووى الإيرانى عام 2018.

خلاصة القول، يبدو أن المشهد أكثر قتامةً مما كان عليه قبل عقد مضى.

لكن هل يعنى هذا أن على الجميع أن يسارع إلى النجاة بنفسه وحده؟

لا أظن ذلك، بل أرى أن استهداف وضع سياسات رادعة فى المقام الأول له أثر قوى. وثمة الكثير مما يدعو الولايات المتحدة والصين من جانب، والولايات المتحدة وروسيا من جانب آخر إلى تلافى مصير يتضمن تراشقًا طرفيًا لكل من هذين الجانبين للقذائف النووية. إلا أن ثمة الكثير أيضًا مما يجب القيام به من أجل إصلاح نظام حيازة الأسلحة النووية على مستوى العالم.

  • هل تجد بصيصًا من الأمل فى ظل هذه الأوضاع؟

– أجد الوضع مقلقًا، لكنى أعد نفسى أحد آخر من يتشبثون بالأمل. وإن كان لى أن أضع رهانًا فى وضع كهذا، سيكون رهانى على أنه بعد عشر سنوات من الآن لن تظهر أى دول نووية جديدة. إذ تمتلك نسبة قوامها 5% فحسب من دول العالم أسلحة نووية، وقد ظلت تلك النسبة ثابتة على مدار الأعوام الخمسة والثلاثين الماضية. وهو ما يُعد انتصارًا مذهلًا للسياسات العامة، بيد أنه لا يزال علينا أن نقطع شوطًا كبيرًا وأن نولى المسألة الكثير من إعادة النظر كى نحد من الأخطار النووية التى تفاقمت على مستوى العالم خلال السنوات الأخيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى