عزة الذل إلى الله سبحانه وتعالى بقلم/ د.أحمد علي عبد الساتر كلية الآداب/ جامعة الوادي الجديد
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الأمي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم.
مفهوم العزة:-
1- معنى العِزَّة لغةً:
العِزُّ: خلاف الذُلِّ. وهو في الأصل: القُوَّة والشِّدَّة والغَلَبَة والرِّفعة والامْتِنَاع. يقال: عَزَّ يَعَزُّ -بالفتح للمضارع-: إذا اشتَدَّ وقَوِيَ، وبالكسر للمضارع: إذا قَوِيَ وامتَنَع، وبالضَّم: إذا غَلَب وقَهَر. ويقال: عَزَّ فلانٌ، أي: صَار عَزِيزًا، أي: قَوِيَ بعد ذِلَّة. وأعَزَّهُ الله. وهو يَعْتَزُّ بفلان، ورَجُلٌ عَزِيزٌ: مَنِيعٌ، لَا يُغْلب، وَلَا يُقْهر. وعَزَّ الشَّيء: إذا لم يُقْدَر عليه، وعَزَّ الشَّخص: قَوِيَ وبَرِئ من الذُّل.
انظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (15/219)، ((الصحاح)) للجوهري (3/88)، و((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/38-39)، ((لسان العرب)) لابن منظور (5/374، 375). ((التوقيف على مهمات التعاريف)) للمناوي (ص 241)، ((شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم)) لنشوان الحميري (7/4310)، ((مُعْجَم اللغة العربية المعاصرة)) (2/1492)..
فهذه المادة في كلام العرب لا تخرج عن معانٍ ثلاثةٍ:
أحدها: بمعنى الغَلَبَة، يقولون: مَنْ عَزَّ بَزَّ. أي: من غَلَبَ سَلَبَ، يقال منه: عَزَّ يَعُزُّ، ومنه قوله تعالى: { وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} (سورة ص، آية 23) .
والثَّاني: بمعنى الشِّدَّة والقُوَّة، يقال منه: عَزَّ يَعَزُّ.
والثَّالث: أن يكون بمعنى نَفَاسَة القَدْر، يقال منه: عَزَّ يَعِزّ.
((زاد المسير في علم التَّفسير)) لابن الجوزي (1/ 113) – بتصرف.
2- معنى العِزَّة اصطلاحًا:
العِزَّة: حالة مانعة للإنسان من أن يُغْلَب. (( تاج العروس)) للزبيدي (15/ 219).
وقيل: العِزَّة: القُوَّة والغَلَبَة والحَمِيَّة والأَنَفَة. ((المعْجَم الوسيط)) (2/598).
وقيل: العِزَّة: التَّأَبِّي عن حمل المذَلَّة، وقيل: الـتَّــرَفُّع عمَّا تَلْحَقه غَضَاضَة. ((مُعْجَم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم)) للسيوطي (ص 203).
كيف تكون عزيزاً بالتذلل إلى الله سبحانه وتعالى؟
إن علاقتنا بالله – سبحانه وتعالى – تختلف عن علاقتنا ببعضنا البعض، على سبيل المثال، لو تذللت إلى أخيك من النسب أو أخيك في الإسلام أو مديرك في العمل أو جارك أو صديقك رغبةً أو طمعاً في الحصول على مصلحة أو منفعة فسوف يكون رد الفعل مخالفاً لما تتوقع، ولكن علاقتك بالمولى – عز وجل – مغايرة تماماً لكل ذلك، على سبيل المثال يقول أسعد الخلق – صلى الله عليه وسلم- : ( أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ ).
الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 482 | خلاصة حكم المحدث : ( صحيح )
فلو تأملنا هذا الحديث جيداً نجد أن في سجودنا إلى الله – سبحانه وتعالى – قرباً له – سبحانه وتعالى – وكلما ازددنا انكساراً وتذللاً وتواضعاً لله – سبحانه وتعالى- قربنا إليه أكثر وأكثر.
وجاء في الحكم العطائية لابن عطاء اللّه السكندري – رحمه الله – أنه قال : ربّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً.
خاتمة:
مما سبق يتضح لنا أن العز كل العز في التذلل إلى الله – سبحانه وتعالى – ، فكلما ذهبت إلى الله – سبحانه وتعالى – بهمومك وأحزانك أكرمك بمزيد عطائه وجوده وكرمه، وكلما ذهبت إليه بكربك فرجه عنك من حيث لا تدري.
ولنا في قصة أبينا آدم – عليه السلام – الموعظة الحسنة حينما أقر بذنبه وندم عليه وجاء إلى ربه – سبحانه وتعالى – معترفاً بذنبه نادماً على فعله عازماً على عدم العودة إليه مرة أخرى، فقبله المولى – عز وجل – وتاب عليه وعلمه الكلمات التي يرجع بها إلى ربه، فقال – عز وجل – : { فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ( سورة البقرة، آية 37).
وجاء تفسير هذه الكلمات في الآية التالية وهي : { قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } (سورة الأعراف، آية 23).
وصلى الله على سيدنا محمد النبي العربي الأمي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً.