القرآن المعجزة الباقية بقلم فضيلة الشيخ/ أحمد علي أحمد علي النادي
مدير عام الادارة العامة لمنطقة الدعوة والإعلام الدينى لوعظ الجيزة
القرآن.. معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الباقية الخالدة أبد الدهر.. كل معجزات الأنبياء أنتهت بوفاتهم ولم يراها إلا الحاضرين في عصرهم، معجزة تقع مرة واحدة..من رآها فقد آمن بها..ومن لم يرها تصبح خبرا بعد ذلك، أما القران معجزة سيدنا محمد فهي معجزة عقلية باقية خالدة محفوظة من رب العالمين بقوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، أصبح بهذا الحفظ المؤكل إلى الله عز وجل معجز في ذاته ومنهجه وتشريعه، ليس كغيره من الكتب السماوية التى ضاع حفظها بواسطة العباد ممن نسوا حظا مما ذكروا به ، والذي لم ينسوه كتموا بعضه..والذي لم يكتموه يلوون ألسنتهم به ويحرفونه عن موضعه..وهكذا نرى أنه كان هناك أكثر من نوع المسخ والنسيان والتحريف..ثم جاءوا بأشياء من عندهم وقالوا أنها من عند الله ليشتروا بها ثمنا قليلا.
القرآن هو كلام الله المنزل على رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم..والمتعبد بتلاوته..والمتحدي به، تحدى الله به العرب أولًا مما برعوا ونبغوا فيه، أنزله متحديا فصاحتهم وبيانهم وبلاغتهم فعجزوا عن الإتيان بمثله ثم تحدى به الأنس والجن فعجزوا أيضا عن الإتيان ولو بآية من مثله، ومن هنا كان هذا التحدي ليست للعرب وحدهم..بل هي للعالم أجمع. فالقرآن جاء لكل الأجناس..وكل الألسنة..للعرب وغيرهم للأنس والجن، فهو بذلك خارق للعادة بعجز كل من فى الكون على الإتيان بمثله لقوله تعالى:﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88].
القرآن معجز بكونه وحيًّا من الله تعالى، أوحي به إلى رسوله النبي الأمي بلسان عربي مبين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195)﴾ [الشعراء:192-195].
القرآن معجز بإحكام آياته وكلماته وحروفه لا يستطيع أحد تبديل حرف فيه أو تقديم أو تأخير كلمة فيه، فلا يمكن تبديله أو تغييره أو انكاره من أحد من المتعبدين به، بإحكام آياته واعجازه اللغوي الذي لا شك فيه ولا ريب قال عنه الله -عز وجل-﴿ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة:2].ما من باطل إلا وأدمغه، وما من شبهة إلا وبين بطلانها، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41 – 42]. وقال تعالى: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 18].
القرآن معجز بإخباره عن الغيبيات والاكتشافات الكونية وقصص واخبار الأمم السابقة لنا، كما يروري لنا قصص الرسل السابقين، ويحكى لنا أشياء لا أحد يعرفها ، فلا يمر عصر من العصور ولا زمن من الأزمان إلا ويؤكد صحة ما جاء في القران ويثبت دعواه، نجد فيه الملجأ والعلاج لكل الأدواء النفسية والروحية والدينية والدنيوية، وصدق رسول الله حين قال: “كتابُ اللهِ ، فيه نبأُ ما قبلكم ، وخبرُ ما بعدكم ، وحُكمُ ما بينكم ، هو الفصلُ ليس بالهزلِ ، من تركه من جبَّارٍ قصمه اللهُ ، ومن ابتغى الهدَى في غيرِه أضلَّه اللهُ ، وهو حبلُ اللهِ المتينُ ، وهو الذِّكرُ الحكيمُ ، وهو الصراطُ المستقيمُ ، وهو الذي لا تزيغُ به الأهواءُ ، ولا تختلفُ به الآراءُ ، ولا تلتبس به الألسُنُ ، ولا يَخلَقُ عن كثرةِ الرَّدِّ ، ولا تنقضي عجائبُه ، ولا يَشبعُ منه العلماءُ ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا )، من قال به صدَق ، ومن حكم به عدَل ، ومن عمِل به أُجِر ، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيمٍ”
القرآن معجز بكونه هدى ونور وشفاء لما في قلوب المؤمنين قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ يونس: 57].
القران معجز بكونه متفضلا بالخيرية لشهر رمضان الذى نزل فيه فكان من أفضل شهور السنة ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [ البقرة: 185].، ولليلة القدر التى نزل بها فكانت أفضل ليالى السنة على الإطلاق فرفع الله قدرها وعظم شأنها بوصفِها ليلةُ مباركة؛ لقوله تعالى ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ ﴾ [الدخان:3]، وبوصفها ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 1-3]ولنزوله على سيد الخلق أجميعن سيدنا محمد فكان خير الأولين والآخرين وخير خلق الله كلهم، نور يهدى به الناس الى الطريق المستقيم فيخرجهم من ظلمات الجهل والكفر إلى نور العلم والإيمان لقوله تعالى:﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [المائدة: 15،16]ونزل على أمة محمد فأصبحت خير الأمم منذ بدء الخليقة الى أبد لدهر لقوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [ال عمران: 110].
كما تعهد بالأفضلية والخيرية لمن حفظه وتعلمه وتدبر آياته ومعانيه وطبق أحكامه، والتزم بما فيه قولًا وعملًا، فعن عثمانَ بن عفانَ رضيَ اللَّه عنهُ قال: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « خَيركُم مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعلَّمهُ “[أخرجه البخاري ].
القرآن معجز بكونه يرفع أقوام ويكون سببا في عزتهم وقوتهم ويخفض آخرين ويكون سببا في ذلهم وهوانهم هذا في الدنيا؛ لحديث سيدنا عمرَ بن الخطابِ رضي اللَّه عنهُ روي أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « إِنَّ اللَّه يرفَعُ بِهذَا الكتاب أَقواماً ويضَعُ بِهِ آخَرين » [ أخرجه مسلم ] .
وفي الآخرة هم في أعلى درجات الجنة معَ السَّفَرةِ الكرَامِ البررَةِ وحسن أولئك رفيقا، فعن عائشة رضي اللَّه عنها قالتْ : قال رسولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « الَّذِي يَقرَأُ القُرْآنَ وَهُو ماهِرٌ بِهِ معَ السَّفَرةِ الكرَامِ البررَةِ” [متفق عليه].
هذا هو القرآن..كلام الله..وأساس الإيمان كله.. سيظل معجزة دائمة في ذاته ومنهجه متحديا كل من تحداه حتى قيام الساعة ببراهين قوية وحقائق ثابتة تردع كل من تشكك أو طعن في آياته وأحكامه وإعجازه.