هل تطلق حرب أوكرانيا حقبة جديدة من الأبحاث العسكرية فى أوروبا؟ (١)
بقلم: د.عبد الدايم نصير، مستشار شيخ الأزهر – أمين عام المنظمة العالمية لخريجى الأزهر.
نشرت مجلة «نيتشر» مقالًا حول تداعيات الحرب الأوكرانية- الروسية وتأثيرها على الأبحاث العسكرية فى محاولة الإجابة عن التساؤل التالى: هل تطلق حرب أوكرانيا حقبة جديدة من الأبحاث العسكرية فى أوروبا؟
يقول المقال: فى أعقاب الغزو الروسى لأوكرانيا، تعهد عدد من القادة السياسيين الأوروبيين بدعم تمويل الأبحاث العسكرية. رغم ذلك، لا يرى عدد من الخبراء السياسيين أنه من المحتمل أن نشهد تغيرات سريعة فىهذا السياق.
قد يشهد العقد المقبل تحليق مركبات جوية أوروبية مُدارة بالطاقة الشمسية على ارتفاع 20 كيلو مترًا فوق ساحات المعارك، لتنقل تفاصيل حيوية عن تحرك الجيوش على الأرض. أما فى الوقت الراهن، فإن الطائرات المسيّرة آليًا دون طيار على تلك الارتفاعات، أو ما يُطلق عليه «الأقمار الصناعية الزائفة»، لا تزال قيد البحث والتجريب. وتُعد هذه الطائرات من بين عشرات المشروعات المدعومة من قبل «صندوق الدفاع الأوروبى التابع للاتحاد الأوروبى» فى مجال البحث والتطوير وكان الصندوق قد أعلن في شهر يوليو من عام 2022 الفائزين بأول مجموعة منح يقدمها، ويبلغ إجمالى قيمتها 1.2 مليار يورو (أى نحو 1.24 مليار دولار أمريكى).
ويُمثل الصندوق سالف الذكر أول حملة كبرى أطلقها الاتحاد الأوروبى لتمويل الأبحاث العسكرية المشتركة بين الدول الأعضاء به. وقد خُططلتأسيس هذا الصندوق لعدة سنوات، لكن اليوم تأتى أولى المنح التى يقدمها فى توقيت مناسب؛ إذ لفت غزو روسيا لأوكرانيا فى شهر فبراير من العام الماضى الدول الأوروبية إلى أهمية ضخ المزيد من الاستثمارات فى تمويل الأبحاث العسكرية، بعد عقود من سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على مجال الابتكارات الحربية.
كانت الدول الأوروبية قد أعلنت، بعد مرور ثلاثة شهور على الغزو الروسى لأوكرانيا، زيادة ميزانياتها العسكرية بما يقارب 200 مليار يورو، فى الوقت الذى كشف فيه أيضًا قادة دول الاتحاد الأوروبى عن حزمة من الاستراتيجيات الرامية إلى تعزيز القدرة العسكرية لدول الاتحاد مجتمعة. ورغم أن هاتين الخطوتين ركزتا فى المقام الأول على استجلاب أسلحة ومعدات وغيرهما من مستلزمات الحرب، فإنه تدخل فيهما تعهدات بزيادة الإنفاق فى مجالات البحث والتطوير التى قد تؤمِّن العتاد العسكرى الذى يحتاجه الجيل القادم بهذه الدول، بدءًا من الطائرات المسيّرة آليًا دونطيار، وصولًا إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ولدى الإعلان عن مبادرة لدعم البحث العلمى فى المجالات العسكرية شهر مايو من العام الماضى، نص تصريح للمفوضية الأوروبية، الهيئة المنوطة بوضع السياسات داخل الاتحاد الأوروبى: «الابتكار عنصر محورى لتعزيز قدراتنا العسكرية».
حول ذلك، يقول فرانس كليهيج، المدير التجارى للمنظمة الهولندية للأبحاث العلمية التطبيقية، وهى منظمة مستقلة معنية بهذا النوع من الأبحاث، فى مجال الدفاع، ومقرها مدينة لاهاى، إن الغزو الروسى كان بمثابة «صيحة تنبيه لنا».
لكن البعض يتشكك فى قدرة الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبى على الوفاء بهذه التعهدات؛ إذ إن خطط تمويل مجالى البحث والتطوير العسكرى التى أُعلنت هذا العام، بما فيها التمويلات المرصودة لـ «صندوق الدفاع الأوروبى»، ظل جميعها تقريبًا قيد الإعداد قبل الغزو الروسى بفترة طويلة. ورغم أن الحرب الروسية لفتت من جديد إلى أهمية وضع ما سبق الخروج به من خطط قيد التنفيذ، لتكثيف التعاون والتمويلاتفى مجال الأبحاث العسكرية فى أنحاء أوروبا، يتوقع خبراء سير هذه التغييرات بخطى بطيئة وتدريجية.
على سبيل المثال، تعقيبًا على ذلك، يقول دانيل فيوت، مدير «برنامج الدفاع والإدارة السياسية»، وهو مركز أبحاث متعدد التخصصات تابع لكلية الحوكمة فى العاصمة البلجيكية، بروكسل: «من جملة ما أتطلع إلى معرفته، حجم الزيادة المتوقع أن تشهدها الاستثمارات فى تلك الابتكارات استجابة للوضع فى أوكرانيا».