أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى/ مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
قال الله تعالى :
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}
[القلم: 4]وعَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ أنه سأل أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عائشة رضي الله عنها فقال: يَأُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: «أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: «فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ».
رواه مسلم
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:
وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، صَارَ امتثالُ الْقُرْآنِ، أَمْرًا وَنَهْيًا، سَجِيَّةً لَهُ، وَخُلُقًا تَطَبَّعَه، وَتَرَكَ طَبْعَهُ الجِبِلِّي، فَمَهْمَا أَمَرَهُ الْقُرْآنُ فَعَلَهُ، وَمَهْمَا نَهَاهُ عَنْهُ تَرَكَهُ. هَذَا مَعَ مَا جَبَله اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُلُقِ الْعَظِيمِ، مِنَ الْحَيَاءِ وَالْكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالصَّفْحِ وَالْحِلْمِ، وَكُلِّ خُلُقٍ جَمِيلٍ.
إن المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلمَ يجد أن له أخلاقًا بارزة ظاهرة تنطق بها أفعاله وأحواله، كالرحمة، وشدة الحرص على فوز أمته ونجاتها، والصبر والحلم واللين والرفق والعفو والشجاعة والسخاء والوفاء .
وقد وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلمَ في القرآن بأحسن وأجل الأخلاق، وأشملها وأجملها .
قال تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}
[الأنبياء: 107]وقال جَل جلاله:
{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}
[القلم: 4]وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ:
لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا».
أخرجه البخاري ومسلم
إن نبينا صلى الله عليه وسلم أكمل الناس أخلاقًا، وأفضلهم مروءة، وأعرقهم نسبًا، وأوصلهم رحمًا، وأعزهم جوارًا، وأوفاهم عهدًا، وأبرهم عملاً، وأعظمهم حِلمًا، وأكرمهم ضيفًا، وأجودهم سخاءً، وأحسنهم حديثًا، وألينهم عريكة، وأعفهم نفسًا، وقد سماه قومه قبل بعثته الأمين.
وقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هينًا لينًا سهلاً قريبًا شفيقًا رفيقًا رحيمًا يعفو ويصفح ولا يجزي السيئة بالسيئة ولا يغضب إلا إذا انتهك حرمة .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟
رواه مسلم
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا».
رواه البخاري ومسلم
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً».
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
رواه مسلم
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ
وَعَنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:
مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنَفسِهِ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمُ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فينتقم لله.
رَوَاهُ مُسلم
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ».
رواه مسلم
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد الناس حياءً ممدوحًا .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ».
رواه البخاري ومسلم
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعيب النعمة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
«مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ».
رواه البخاري ومسلم
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا تحدث أفصح وأفهم: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ «يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ العَادُّ لَأَحْصَاهُ».
رواه البخاري ومسلم
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صادقًا كريمًا سخيًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر .
وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: لَا.
مُتَّفق عَلَيْهِ
وَعَن أنس إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَي قوم أَسْلمُوا فو الله إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ.
رَوَاهُ مُسلم
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ فَعَلِقَتِ الْأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَعْطُونِي رِدَائِي لَوْ كَانَ لِي عَدَدَ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمٌ لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كذوباً وَلَا جَبَانًا».
رَوَاهُ البُخَارِيّ
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متواضعًا على سجيته في أهله وأمته .
وَعَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مَهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي خدمَة أَهله- فَإِذا حضرت الصَّلَاة خرج إِلَى الصَّلَاة.
رَوَاهُ البُخَارِيّ
وعن أنس أنه:
كان يردف خلفه ويضع طعامه على الأرض ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار».
رواه الحاكم
وعن ابن أبي أوفى عن ابن أبي أوفى أنه:
«كان يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة وكان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته» .
رواه النسائي والحاكم
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستاك بعود الأراك، ويرجل –يسرح- شعره أحيانًا، ويكتحل بالإثمد، ويلبس القميص والعمامة والرداء والإزار والخف والنعل ويتختم بخاتم من فضة، يأكل من التمر وخبز الشعير والخل واللحم وما شبع من الخبز واللحم قط، يبتسم ويضحك ويمزح ولا يقول إلا صدقًا، يقوم ويقعد ويضطجع وتنام عيناه ولا ينام قلبه، يجاهد بالسيف ويلبس الدرع على بدنه والمغفر على رأسه.
وقد كان صَلى الله عليه وسلم أوفى الناس بالعهود، وأوصلهم لرحمه، وأعظمهم شفقة ورحمة بالناس، وأحسن الناس عشرة، وأوفاهم مودة، لا تُسمع منه الكلمة القبيحة فلم يكن فاحشاً ولا متفحشًا، ولا يرفع صوته، ولا يقابل السيئة بالسيئة بل يقابلها بالحسنة، ويعفو ويصفح، وكان يشارك أصحابه في السفر أعمالهم، وكان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، يظن كل من جالسه من أصحابه أنه أحب الناس إليه .
قال جرير البجلي:
ما رآني رسول الله صَلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا تبسَّم.
ولم يكن يكثر الكلام؛ بل كان كلامه قليلاً لو عدَّهُ العاد لأحصاه، وكان يجلس مع أصحابه يستمع لحديثهم، فكان مجلسه لا ترفع فيه الأصوات، ولا تنتهك فيه الحرمات، يتفاضلون عنده بالتقوى، ولا يقاطعهم إذا تحدثوا، ولا يذمُّ أحداً ولا يعيِّرهُ ولا يطلب عورته، ولا ينطق إلا بما يرجو ثوابه صلى الله عليه وسلمَ.