العلم حياة بقلم الشيخ /محمد حسان الدناوي

واعظ بالأزهر الشريف.. وباحث ماجستير في الدعوة والثقافة الإسلامية.

إن الدين الإسلامي الحنيف هو دين الأخلاق والعلم.. وهما سرُّ بناء الحضارات ونهضة الأمم والمجتمعات، ولقد جعل الله” العلم” نورًا للعقول وضياءً للقلوب الذي يضيء الطريق أمام ظلمات الجهل ويرشد الحيارى إلى الطريق الصحيح المستقيم.
ولابد أن نعلم أن” الأمَّة الحيَّة” هي التي يحيا فيها الأموات” وأما الأمَّة الميِّتة “هي التي يموت فيها الأحياء كيف ذاك ؟
فالأمَّة الحيَّة هي التي يحيا فيها الأموات”بالعلم” الذي يحيي القلوب والعقول ويحرك الأفهام.
وأما الأمَّة الميِّتة فهي التي يموت فيها الأحياءُ بالجهل فيعيشون في حيرةٍ وتخبط من أمرهم لأنهم فقدوا المصباح الذي ينير لهم الطريق الصحيح في جميع أمور حياتهم.
ومن فضل الله تبارك وتعالى على أُمَّة النبي المصطفى الأمين.
أن الله عزوَّجل حباها بالعلم ورفع من شأن العلم وأهله.
و ما أكثر الأيات التي نزلت لتدلنا على فضل العلم يكفينا أنَّ أوَّلَ سورةٍ بل أوَّلُ ءايةٍ وكلمةٍ نزلت من” كتاب الله عزوجل” هي قول ربنا جل جلاله. (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1 خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ 2 اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ 3 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ 4 عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ 5 ) سورة العلق من (٥:١)
ولقدذكر فضيلةالإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الأستاذ الدكتور احمد الطيب :معلقا على هذه الأيات كما جاء في مقالة يتحدث فيها عن الإسلام والعلم قائلا :
“هذه خمس أياتٍ قصيرات فيها أمر بالقراءة مرتين وفيها تنويه بشأن العلمِ والتعلُّمِ ثلاثُ مرات ثم ذكر فيها القلم الذي هو أداة العلم ووسيلته وفي هذا الاستهلال ما فيه من احتفاء الإسلام بقيمة” العلم” والتنويه بمنزلته والتذكير بخطره الشديد في التمييز بين الحق والباطل والصواب والخطأ “
ولذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم حريص كل الحرص على تعليم العلم ونشره بين صحابته الكرام وحثهم على طلب العلم وتعليمه لغيرهم وهو النبيُّ الأميُّ الذي لم يدرس العلم لا في مدرسة، أو جامعة، أو مؤسسة تعليمية.
ولم يرتحل في طلب العلم يوماًما ومع ذلك فتح الله به أعينا عميا، وأذاناصما، وقلوبا غلفا.
وإذا نظرنا الي أحاديث سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم لوجدنا أحاديث متعددة تحثنا على طلب العلم.

ولعلَّ من أهمِّ تلك الأحاديث التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حديث أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه قال( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سلك طريقا يلتمس به علما سهل الله له طريقا إلى الجنةوإنَّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع وإنَّ العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الارض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء وإنَّ الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانَّما ورثوا العلم فمن أخذبه أخذ بحظ وافر)
حديث حسن اخرجه ابو داوود في كتاب العلم باب الحث على طلب العلم .
وفي هذا الحديث إشارة واضحة على فضل طلب العلم والحث عليه وبيان شرف أهله.
ومن جميل عظمة الإسلام انَّه في حثنا على طلب العلم لم يجعل ذلك الأمر مقتصرًا على تعلُّم العلُوم الشرعيَّة فحسب بل شجَّع على تعلُّم الثقافات المختلفة وفتح لنا الباب للاستفادة من الثَّقافات الأخرى .
وتعلُّم كل العلوم التي من شأنها ان تعلي من شأن امة الاسلام.
ولا أدل من ذلك من أمر النَّبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا “زيد بن ثابت” رضي الله عنه وأرضاه ان يتعلم لغه اليهود قائلاً له( والله إنِّي لا أمن اليهود على كتابي فقال ما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له فلما تعلمته كان إذا كتب إلى اليهود كتبت إليهم وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم) حديث رواه الإمام الترمذي وهو حسن صحيح.
ومن تصفح في تاريخ أمتنا لوجد علماءنا الأجلاء قد وضعوا البذرة الأولى لمعظم العلوم الثقافية التي برع فيها الغرب الآن .
من هؤلاء :
“الخوارزمي”: الذي يعدُّ من أبرز علماء العرب في الفلك و الرياضيات وهو الذي أنشا علم الجبر والهندسة .
“جابر بن حيان” : الذي وصفه ابن خلدون” امام المدونين”
فهو أول رائدٍ في علم الكيمياء وعلم المعادن وغيرها.
“ابن سيناء” :عالم شهير في مجال العلوم الطبيعية وهو من أكثر الشخصياتِ المؤثرةفي مجال الطب في العالم الأسلامي، وكذلك في أوروبا في القرون الوسطى .
ولقد كانت كتبه ودراساته تدرس في جامعات أوروبا حتى القرن السابع عشر.
ومن أشهر كتبه” القانون في الطب” .
” الحسن بن الهيثم “:يعدُّ من أبرز علماء العرب العباقرةفي “القرن العاشر الميلادي” الذي درس علم البصريات وأبدع فيها كما درس علم الضوء وهو أول من قام بتجارب عدة كانت داعمة لاختراع ألة التصوير. وهو يعدُّ من أوائل الفيزيائيين التجريبيين ومن أبرز مؤلفاته كتاب” المناظر” .
في نهاية حديثي: لابد من السعي الحثيث لتعلُّم العلم ونشره في ربوع الأرض حتى نكون شعلةَ نور تضيء الطريق أمام الحياري وأنه لا سبيل الى التقدُّم والازدهار ونهضة البلاد إلا بالعلم والعمل.
ولا حياةللقلوب والعقول الا بالعلم .
كما جاء في” شرح الزرقانى على موطأ الامام مالك” .
حدثني” مالك” بلغه أنَّ “لقمان الحكيم” أوصى أبنه فقال “يا بُنيَّ جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإنَّ الله يحيي القلوب بنور الحكمةكما يحيي الأرض بوابل السماء”
كما لابد وأن نعلم أنَّ أهل العلم أحياء لا يموتون وان فارقت أرواحهم أجسادهم فهم لا زالوا معنا بعلمهم ومجهوداتهم التي لا تزال خزائنها ملئ ينهل منها الجميع فلقد رحل عنا كثير من علماء الإسلام داخل مصر وخارجهاوفارقت أرواحهم أجسادهم إلا أنَّهم لازالوا أحياء معنا حياةً أبديةً ليست بأجسادهم وإنَّما بعلمهم الذي ملء أركان الدنيا بأسرها .
وصدق رسولنا صلى الله عليه وسلم إذ يقول: كما روى “الإمام مسلم” عن أبي هريرة رضي الله عنه” اذا مات ابن أدم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له )
ورضي الله عن سيدنا” علي بن ابي طالب” إذيقول:
ما الفخر إلا لأهل العلم إنَّهمُ
على الهدى لمن استهدى أدلاءُ
وقدر كل امرئ ما كان يحسنهُ

والجاهلون لأهل العلم أعداءُ
ففز بعلم تعش حيًّا به أبدًا
الناس موتى وأهلُ العلم أحياءُ.

نعم فالناس موتى وأهلُ العلم أحياءُ.
فاللهم إنا نسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعملاً متقبلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى