فضائل شهر شعبان والأعمال المستحبةبقلم الدكتور عبد الرحمن سرحان عضو منظمة خريجي الأزهر بمطروح
الحمد للهِ ربِ العالمين وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ مَنْ بَعَثَهُ اللهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ هَادِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ فَجَزَاهُ اللهُ عَنَّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيًّا مِنْ أَنْبِيَائِهِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَهُ.
أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ، فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللهِ الْعَلِيِّ الْقَدِيرِ الْقَائِلِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: ﴿الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾ [ءَال عِمْرَان/ 17]. ويقولُ: ﴿يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الْحَجّ/ 77].
فضائلُ شَهرِ شَعْبَانَ شعبانُ نهايةُ السنةِ التكليفيةِ للإنسانِ، ترفعُ فيهِ الأعمالُ إلى اللهِ عز وجل، شعبانُ دورةٌ تأهيليةٌ تدريبيةٌ على الصيامِ والقيامِ والقرآنِ، شعبانُ شهرُ القرآءِ، فكان حَالُ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي شَعْبَانَ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ شَعْبَانَ، أَقْبَلُوا عَلَى مَصَاحِفِهْمِ فَقَرَأُوهَا، وَأَخْرَجُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ لِيُعِينُوا غَيْرَهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ فِي رَمَضَانَ.
وَتَرَكُوا الْكَثِيرَ مِنْ مَشَاغِلِ الدُّنْيَا، وَأَخَذُوا يَسْتَعِدُّونَ فِيهِ لاِسْتِقْبَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَكْثَرُوا فِيهِ مِنَ الصِّيَامِ وَالذِّكْرِ وَالْقِيَامِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ عَنْ شَهْرِ شَعْبَانَ إِنَّهُ شَهْرُ الْقُرَّاءِ.وكانت الجاهليةُ تُغالِي في تعظيمِ رجبٍ وتهملُ شهرَ شعبانَ، فجعلَ اللهُ لهُ مِن الفضائلِ ما زادَهُ مكانةً في نفوسِ المسلمين،ومن هذه الفضائل:
1- جعلَهُ اللهُ شهرَ ختامٍ لأعمالِ السنةِ: فعن أسامةَ بنِ زيدٍ -رضي اللهُ عنهما- قال: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ ﷺ: « ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ الناسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَب الْعَالَمِينَ، فَأُحِب أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ »؛ (رواه أحمد والنسائي).
2- ولقد خصَّ اللهُ جلَّ وعلَا شهرَ شعبانَ بليلةِ النصفِ المباركةِ: قالَ النبيُّ ﷺ: « إِن اللهَ لَيَطلِعُ فِي لَيْلَةِ النصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ »، (رواه ابن ماجه وابن حبان )، وقال ﷺ: « إِذا كَانَ لَيْلَةُ النصْفِ مِنْ شَعْبانَ اطلَعَ الله إِلَى خَلْقِهِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤمِنِينَ ويُمْلِي لِلْكافِرِينَ ويَدَعُ أهْلَ الحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتى يَدَعُوهُ »؛ (رواه البيهقي).3-وخصّهُ النبيُّ ﷺ بزيادةِ صيامٍ: ففي حديثِ أسامةَ بنِ زيدٍ -رضي اللهُ عنهما- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟ قَالَ: « ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ الناسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَب الْعَالَمِينَ، فَأُحِب أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ »؛ (رواه النسائي).
وتقولُ عائشةُ -رضي اللهُ عنها-: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَصُومُ حَتى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ؛ (رواه البخاري)، ولمسلمٍ عنهَا: “كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلًا”.
فَانْظُرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ كَيْفَ كَانَ حَالُ نَبِيِّنَا ﷺ فِي شَعْبَانَ. 4-وخصّهُ اللهُ جلَّ وعلَا بحادثةٍ تعلنُ للعالمِ تميزَ المسلمينَ عن غيرِهِم، وبراءتَهُم مِن كلِّ ملةٍ مخالفةٍ، وهي: “حادثةُ تحويلِ القبلةِ” فعندمَا قدمَ النبيُّ ﷺ مِن مكةَ إلى المدينةِ كان يستقبلُ بيتَ المقدسِ، وبقِيَ على ذلك ستةَ – أو سبعةَ – عشرَ شهرًا، كما ثبتَ في الصحيحينِ مِن حديثِ البَرَاءِ بنِ عازبٍ -رضي اللهُ عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ ))ثمَّ بعدَ ذلكَ أمرَهُ اللهُ تعالَى باستقبالِ الكعبةِ ( البيتِ الحرامِ ) وذلك في قولِهِ جلَّ وعلا: ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]فأمرَ اللهُ تعالَى نبيَّهُ ﷺ في هذه الآيةِ باستقبالِ الكعبةِ، ومِن ذلك الوقتِ صارتْ الكعبةُ قبلتَهُ ﷺ، وقبلةَ أمتهِ مِن بعدِه.
أسأل الله عز وجل أن يرزقنا اغتنام شهر شعبان، وأن يبلغنا رمضان ، وأن حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.