كيف نستقبل شهر رمضان؟

▪️بقلم- فضيلة الشيخ أحمد على تركى

▪️مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

ساعات قلائل، وتستقبل الأمة الإسلامية شهرًا كريمًا مباركًا، إنه شهر رمضان، شهر الخير والرحمة والرضوان شهر العزة والكرامة، شهر التوبة والإنابة، شهر الصوم والقيام والعبادة؛ شهر القرآن، شهر العفو والغفران، شهر الذكر والطاعة والإيمان؛ وشهر العتق من النيران.

عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفِّدتِ الشياطينُ ومَرَدة الجن، وغُلِّقتْ أبوابُ النَّارِ فلم يفتح منها بابٌ، وفُتِّحتْ أبواب الجنة فلم يغلق منها بابٌ، ومناد ينادي: يا باغيَ الخيرِ أقبل، ويا باغي الشر أقْصِرْ ولله عتقاء من النَّار، وذلك كل ليلة». (رواه الترمذي وابن ماجة).

وكان السلف الصالح يدعون الله أن يبلغهم رمضان، وأن يتقبله منهم ففي سنن الترمذي: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلاَلَ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَهلهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلاَمَةِ وَالإِسْلاَمِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّه».علينا أن نستقبل شهر رمضان بالحمد والشكر على أن بلغنا هذا الشهر الكريم، وعلينا أيضًا أن نستقبله بالفرح والابتهاج، فقد قال تعالى: «قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» (سورة يونس).

والاستبشار بقدومه هو من هدي النبي- صلى اللهُ عليهِ وسلَّم- وكان رسول صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بمجيء شهر رمضان ففي مسند أحمد بسند صحيح: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: كان رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ ويقول:َ قدْ جَاءَكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ يُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ.

علينا أن نستقبل هذا الشهر الكريم بعقد العزم الصادق على اغتنامه، وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحات، فمن صدق الله صدقه الله، وأعانه على الطاعة،ويسر له سبل الخير.

علينا أن نستقبل هذا الشهر بالعلم والفقه بأحكام الصيام، فيجب على المؤمن أن يعبد الله على علم، ليكون صومه صحيحًا مقبولا عند الله.ايضًا علينا أن نستقبل هذا الشهر بإخلاص العمل لله تعالى كما قال تعالى: «فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا» (سورة الكهف).

علينا أن نستقبل هذا الشهر بسلامة الصدر مع المسلمين، فلا شحناء، ولا بغضاء، ولا كراهية لمسلم كما قال تعالى: «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ». (سورة الشعراء).علينا أن نستقبل هذا الشهر بقيام الليل، واتخاذ ورد يومي من القرآن الكريم، ومحاسبة النفس على تقصيرها، فيُقوم العبد سلوكه ليكون في رمضان على درجة عالية من الإيمان، وأن نكون من أهل الجود والكرم، والبذل والاحسان.أيضًا علينا أن نستقبل شهر رمضان بالابتعاد عن تضييع أيامه بالنوم، ولياليه بالسهر مع المسلسلات والافلام فمن كان هذا حاله فلن يستفد من شهر الصيام.

قال الزهري: إذا دخل رمضان، إنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام.ونستقبل شهر رمضان بالحرص على افطار الصائمين كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا».(رواه الترمذي).نستقبل شهر رمضان بحفظ اللسان عن القيل والقال والغيبة والنميمة ففي صحيح البخاري: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ».ونستقبله أيضًا بالعمل والجد والاجتهاد، فلا مجال للتكاسل والراحة بحجة الصيام.

ونستقبل شهر رمضان بالتوبة، كما قال الله تعالى: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى» (سورة طه).فشهر رمضان شهر تغسل فيه الحوبات، وتغفر فيه الخطيئات، فلا يمضي هذا الشهر إلا وقد تبدلت الطباع، وتغيرت الأوضاع، وظهر أثر رمضان على سلوك العبد وأخلاقه ومعاملاته.

ونستقبل شهر رمضان بأن يبلغنا هذا الشهر الفضيل للاستفادة منه في التقرب إلى الله عزَّ وجلَّ وكذلك الابتهال إلى الله بالتوفيق لإتمامه وهذا من هدي السلف- رحمهُم اللهُ-؛ فعن أبي عمرو الأوزاعي قال: كان يحيى بن أبي كثير يدعو فى شهر رمضان ويقول: اللهم سلمني لرمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلًا.

وعن مكحول- رحمهُ الله-ُ أنَّهُ كان يقول إذا دخل رمضان: اللهم سلمني لرمضان وسلم رمضان لي وتسلمه مني متقبلًا.

اللهم ارزقنا صيامه وقيامه صبرًا واحتسابًا، وارزقنا فيه الجد والاجتهاد والقوة والنشاط، وأعذنا فيه من السآمة والفترة والكسل والنعاس، ووفقني فيه لليلة القدر، واجعلها خيرًا لنا من ألف شهر.

زر الذهاب إلى الأعلى