«فلسفة المرض في الإسلام » بقلم فضيلة الدكتور عبد الرحمن سرحان عضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين..وبعد:
من رحمة الله – عزّ وجل- بالإنسان أنه يبتليه بالأمراض ، ليطهره ويهيؤه للالتحاق بالرفيق الأعلى ، والابتلاء نوعان ، أولهما : يكون تكفيراً للسيئات ، وحطّاً للخطيئات ، وثانيهما: يكون رفعاً للدرجات ، وتكثيراً للحسنات ، وهذا أو ذاك دلالةٌ على حب الله لعبده ، والكيّسُ من يفطنُ إلى ذلك ، ويوقنُ تمامَ الإيقان أن الله – سبحانه وتعالى – ما ابتلاه إلا لأنه يحبه ، وما أمرضه إلا ليصحّه ، وما منعه إلا ليعطيه ، وما أشقاه إلا ليسعده ، وهو في كل الأحوال مأجورٌ شريطة كونه راضياً ومسلّماً بقضاء الله وقدره .
قال ﷺ : ” وما يصيبُ المؤمنَ من نصبٍ ولا وصبٍ – أي مرض – ولا همٍّ ولا حزنٍ ولا غمٍّ حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه ” فإذا ما اشتد الألمُ بصاحبه ، وخارت قواه ، وأضحت عزيمته غير قادرةٍ على تحملِّ الأوجاع ،هنا تتدخلُ العناية الإلهية ، وتنزلُ عليه الغيثَ من السماء ، فينقله إلى وادٍ غير وادينا ، وحياةٍ غيرِ حياتنا لا يعرفُ كنهها أو حقيقتها إلا الله – سبحانه وتعالى – فيتولى رعايته ، ويطعمه ويسقيه ، ويرّبتُ على كتفه ، وكأن ربنا يقول له : اطمئن يا عبدي فإنك في عنديتي ، وأنا أرحمُ بك من أمك التي ولدتك .
وعندئذٍ يظن الناسُ أنه دخلُ في مرحلة الغياب عن الوعي ، أو ما يُعرفُ في الطب ب ” الغيبوبة ” ، وما دروا بأن الله قد تولّى رعايته وحفظه بنفسه ، فسبحانك ربي ما أرحمك ! ومما يثيرُ العجب ، ويغري بالغضب أنك عندما تذهبُ إلى عيادة مريضٍ تجد عوّاده وزائريه طرائق قددا ، فثمة أناسٍ تتقي الله يعودونه فيدعون له بالشفاء ، ويدعون لأنفسهم بما يحبون ، لأنهم موقنون بقوله تعالى : ” … ولو عدته لوجدتني عنده ” ، وآخرين عن تقوى الله بمعزلٍ لا يرقبون في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمة ، فبعضهم يقول : من أعمالكم سُلطَ عليكم ، اللي يستاهل حاجة ربنا يديهاله ، ربنا معندوش حاجة وحشة … إلى آخر هذه الأقوال ، وهذا ليس ثقةً بقضاء الله وقدره ، أو تسليماً بحكمه ، فالله لا يقضي لمؤمنٍ إلا خيراً ، ولكنه إظهارٌ للشماتة ، وتجريحٌ في مريضٍ بين يدي مولاه لا حولَ له ولا طولَ .
أيها المبتلون هنيئاً لكم أن طهّركم ربكم قبل أن تنتقلوا إليه ، لتخرجوا من الدنيا مستبشرين بنعمةٍ من الله وفضلٍ ، لا تثقلُ كواهلكم الأوزارُ ، ولا تكدّرُ خواطركم الآثام ُ ، وكأن المرض بمثابة الكير الذي يُذِهبُ عن معادنكم الخبثَ ، فتعود الصنعةُ إلى صانعها كيفما أرادها ، تصطبغُ بصبغته ، وتستأهلُ رحمته .