صحيح الإسلام ودور الأزهر المطلوب
بقلم / د. بهجت قرنى
هذا موضوع حساس لأنه يتعلق بدور بعض من يدعون الدفاع عن صحيح الإسلام، وهم فى النهاية من يقدمون الذخيرة لأعدائه، داخليا وخاصة عالميا. ما العمل إذن لوقف أى تشجيع وتبرير للعنصرية المتزايدة ضد الإسلام؟ اتصل بى الأسبوع الماضى زميل ألمانى لمناقشة كيفية مواجهة الإسلاموفوبيا أو كراهية الإسلام بعد أحداث سولينجن، وهى مدينة صغيرة نسبيا من 160 ألف نسمة بالقرب من دسلدورف فى إقليم بافاريا الشهير. بدأت سولينجن فى يوم الجمعة 23 أغسطس احتفالات لمدة ثلاثة أيام بذكرى تاريخية لهذه المدينة وأطلقت عليها «من أجل التنوع السكاني»، وهى دعوة للتسامح وقبول الآخر مهما كان الاختلاف (الجنسى) بينهما. فى مساء الجمعة هذا وفى بداية الاحتفالات، قام رجل بالطعن العشوائى بالسكين للمشاركين. النتيجة إصابة العديد وموت ثلاثة: رجلين وامرأة تتراوح أعمارهم بين 56، 67 عاما. كان الطعن فى الزور، أى عملية ذبح. قررت بلدية سولينجن إلغاء الاحتفالية، وسط الحزن والمأساة، توجه السكان لمكان الحادث وبين الزهور والشموع كتبوا بالخط العريض كلمة warum، أى لماذا؟ اتضح بعد ذلك أن من قام بهذه الجريمة هو رجل سورى يطلب اللجوء فى ألمانيا، وقام بتسليم نفسه، ولكن ما يسمى «الدولة الإسلامية» أعلنت أن الحادث جاء طبقا لأوامرها. ذكرنى زميلى الألمانى أنه فى شهر يونيو الماضى قام رجل أفغانى أى مسلم ـ بقتل ضابط بوليس وإصابة أربعة أشخاص آخرين. كان سؤال زميلى هو كيفية العمل فى هذه الظروف لمواجهة اليمين الألمانى والأوروبى الذى يطالب بإغلاق الحدود أمام مثل طالبى اللجوء هؤلاء، وحقيقة تعطى أعمالهم الذخيرة المطلوبة لتموين الإسلاموفوبيا، فعلا مثل أعداء الإسلام ويقومون ـ عن قصد أم لا ـ بتبرير مساعى تشويه صورة الإسلام. فعلا إذا كان هناك مسلمون يقومون بمثل هذه الأعمال، فلن يحتاج أعداء الإسلام ومشجعو العنصرية ضد الإسلام القيام بمجهود كبير فى هذا الصدد. بالرغم من أن زميلى الألمانى لم يذكر هذا الموضوع، إلا أن العديد من الناس العاديين كانوا يسألوننى فى رحلاتى المختلفة عما يحدث فى أفغانستان وهل طالبان تمثل فعلا صحيح الإسلام كما تدعي؟ إجاباتى هى أننى لست متخصصا فى حقل الدراسات الإسلامية ذات الباع الطويل، ولكنى أستطيع التبسيط والتوضيح لكى يفهم غير المتخصصين خاصة الأجانب المهتمين المخلصين بالموضوع ولا يودون الوقوع فى براثن العنصرية المنتشرة. والبداية هى أنه رغم توحد المبادئ الأساسية، أى أصول الإسلام، إلا أن هناك التنوع فى الممارسات المذهبية والجغرافية فى القرون الاربعة عشر منذ ظهور الإسلام، هناك السنة والشيعة، كما هو الحال فى وجود الكاثوليك والبروتستانت مثلا فى المسيحية، كما أن هناك أيضا ما يسمى الإسلام الإفريقى أو الآسيوى، والتى تتأثر ممارساته بالسياق الجغرافى والمجتمعى لهذه البلاد، أردنا أو لم نرد. فبالرغم من أهمية التواضع والاحتشام فى أصول الإسلام، إلا أن البرقة (أو الشادازى كما يسميها البعض فى أفغانستان) والتى تقوم بتغطية المرأة كلية من الرأس إلى القدمين بما فيها الوجه مبالغة شديدة وتطرف غير مبرر لمبدأ الاحتشام، بل هو تقييد لحركة المرأة التى تعمل مثلا فى الزراعة، والأخطر أنها تعكس تركيبة ذهنية دونية لمكانة المرأة على أنها عورة، وبالتالى انتقاص بل نفى لإسهامها المطلوب فى المجتمع. ويتضح هذا جليا من القيود المتزايدة المفروضة على الدراسة والعمل للنساء، حتى الذهاب للمدارس الإبتدائية. بل هناك قيود على الحركة نفسها، فأحد شعارات طالبان هو «لا ضرورة للخروج من المنزل إلا فى حالة الضرورة» والتطبيق هنا هو أن المرأة والفتاة تصبح سجينة فعلا فى الداخل، ويتم معاقبتها فى الداخل والخارج إذا لم تمتثل، بل تذهب الآن بعض الممارسات إلى معاقبة الرجل المسئول عنها، سواء كان أبا أو زوجا، وبالتالى يتنامى مفهوم المرأة كملكية، مثل ملكية العبيد تماما. فى الحقيقة يتنافى هذا مع أصول الإسلام وأهمها العدالة وتشجيع العلم. ألم تكن أول آية نزلت فى القرآن هى «اقرأ»؟ وألم تكن السيدة خديجة ـ أولى زوجات الرسول (صلى الله عليه وسلم) تمارس التجارة، أى سيدة أعمال بالمعنى العصري؟ والتطور الحادث الآن فى السعودية مع قيادة المرأة السيارة مثلا لهو مثل فى الواقع على تطور أصول الإسلام فى منبع الدين الحنيف نفسه.
ما العمل إذن لحماية الإسلام من بعض مدعيه الذين يتكلمون باسمه ـ بحسن نية أم لا؟ هنا يأتى دور المؤسسات الإسلامية مثل منظمة المؤتمر الإسلامى خاصة الأزهر الشريف. فمؤهلات أعضائه وقدرتهم على تمثيل وشرح الإسلام الوسطى الصحيح، وكذلك سمعة الأزهر العالمية تضعه فى المقدمة للقيام بأهم واجباته، أى دحض أفكار وممارسات بعض مدعى الإسلام ومنع ضررهم. وفى الحقيقة فإن مسيرة الأزهر، كمؤسسة جامعية، تجسد ليس فقط الإسلام ولكن تطور الممارسة الدينية، فقد أنشئ جامع الأزهر سنة 970 ميلادية، ويؤكد الأزهر فى مساره وحدة العلوم الدينية والدنيوية وبالذات أهمية الاجتهاد. فمثلا على عكس من يدعون عدم التدخل فيما يسمونه الممارسة الإلهية، قام الأزهر بتأسيس المركز المصرى لأطفال الأنابيب، ويضيف إلى مكانته باختياره أساتذة الطب المؤهلين لقيادته مثل د. جمال أبو السرور، العميد الأسبق لكلية طب الأزهر، الحائز على جائزة الدولة، والرئيس السابق للمنظمة العالمية لطب النساء. بمعنى أوضح، مسيرة الأزهر فى التطور والسمعة العالمية لقياداته العلمية تضيف إلى مصداقيته التى يجب أن يستخدمها بكل الطرق وأقواها لمقاومة العنصرية ضد الإسلام، والدفاع ضد مدعى الإسلام. ألا يقول المثل «رب ارحمنى من أصدقائى»، أو من يدعون صداقة الإسلام والمسلمين.