عام من العدوان على غزة.. وحرب صهيونية وجرائم ضد الإنسانية لم تُحقق هدفها

غـدًا يمر عام كامل على عملية “طوفان الأقصى”، والتي بدأت بهجوم شنته حركة “حماس” على جنوب دولة الكيان الإسرائيلي، وولدت حرب انتقامية شنها الاحتلال الصهيوني على سكان قطاع غزة، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الهجوم .. وأسفرت تلك الحرب الإجرامية عن استشهاد قرابة 42 ألف فلسطيني حتى الآن، وإصابة نحو مائة ألف آخرين، عدا عن آلاف المفقودين تحت الأنقاض لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى الآن.

وخلال حربها الأطول مُنذ عام 1948، لم تتورع دولة الاحتلال عن استهداف المدنيين في خيام النازحين، وفي المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين”الأونروا”، بدعوى اندساس عناصر حركة “حماس” بها، كما استهدفتهم وهم ينتظرون في الطوابير للحصول على حصص من الطعام، الذي سمحت دولة الكيان تحت ضغوط دولية شديدة، بدخوله إلى القطاع، بكميات محدودة للغاية.

مجزرة تلو الأخرى دونما اكتراث بالإدانات الدولية

ومن أشهر هذه المجازر التي ارتكبتها الاحتلال الصهيوني في القطاع، مجزرة الطحين، أو مجزرة “دوار النابلسي”، والتي وقعت في الـ29 من فبراير الماضي، ضد مدنيين اصطفوا للحصول على مُساعدات الغذاء شمالي القطاع، الذي عانى من التجويع، واستشهد فيها 112 شخصًا، وأصيب مئات آخرون، وعبر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون آنذاك عن استيائه الشديد بسبب سقوط عدد كبير من الضحايا جراء هذه المجزرة، وقالت الخارجية الفرنسية إن إطلاق الرصاص على المدنيين الذين يسعون للحصول على الطعام هو أمر غير مبرر، فضلا عن العديد من الإدانات الدولية لتلك الجريمة النكراء.

لكن الكيان الصهيوني اتبع المثل القائل “أذن من طين وأخرى من العجين”، وارتكب بعدها عشرات المجازر، وصولا إلى مجزرة أخرى كبرى، وهي “مجزرة رفح” التي عُرفت بـ “محرقة الخيام”، والتي ارتكبها سلاح الجو التابع للاحتلال، عشيّة الـ 26 من “مايو”، عندما شنت مُقاتلاته غارات على مُحيط منطقة كان بها غرف جاهزة مؤقتة (بركسات) تؤوي نازحين شمال غرب رفح، ولم تمض دقائق حتى عاود الاحتلال غاراته مُستهدفا خيام النازحين قُرب مخازن الأونروا في الشمال الغربي لرفح أيضًا. وتسببت هذه المجزرة في استشهاد 45 فلسطينيًا، عدد كبير منهم من الأطفال والنساء، وأغلبهم من النازحين، إضافة إلى عشرات الإصابات، بينها حالات بتر في الأطراف وحروق شديدة.

ودفعت هذه المجزرة نحو 50 خبيرًا أمميًا في مجال حقوق الإنسان للمُطالبة بإجراء تحقيق دولي مستقل في الهجمات الإسرائيلية على مخيمات النازحين في رفح، ودعوتهم لفرض عقوبات فورية وإجراءات أخرى من جانب المجتمع الدولي للضغط على تل أبيب لكي تمتثل للقانون الدولي.

وفي الـثامن من شهر يونيو، أسفرت عملية للكيان الصهيوني لتحرير الرهينة “نوعا أرجماني” وثلاثة آخرين، من مخيم النصيرات وسط القطاع، عن استشهاد 210 فلسطينيين، وإصابة 400 آخرين بالرصاص (وذلك حسب مكتب الإعلام الحكومي في القطاع). 

– دور العبادة والمُستشفيات والمدارس في مرمى النيران الصهيونية

وتشير تقديرات “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان”، إلى أنه خلال الأشهر الستة الأولى من الحرب، اسقطت الاحتلال 70 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، ما يتجاوز ما قُصفت به مدن درسدن، وهامبورج، ولندن، خلال الحرب العالمية الثانية. وحسب الأمم المتحدة، فإن إزالة الركام من القطاع قد يستغرق 15 عامًا. 

ولم تستثن الكيان الصهيوني دور العبادة والمُستشفيات من عدوانه الغاشم، وكان أشهر الأماكن المُقدسة التي هاجمتها إسرائيل، كنيسة القديس برفيريوس وهي ثالث أقدم كنيسة في العالم، وكان مجمع الكنيسة يؤوي مئات النازحين الفلسطينيين وقت الغارة الجوية عليها في التاسع عشر من شهر أكتوبر الماضي.

ودمر الاحتلال كذلك أكبر وأشهر المستشفيات في قطاع غزة وعلى رأسها مجمع الشفاء الطبي، ومُستشفى المعمداني (التي ارتكب بها مجزرة شنعاء أسفرت عن ارتقاء 500 شهيد)، ومُستشفى “كمال عدوان”، ومستشفى شهداء الأقصى، ومستشفى الصداقة التركي وهو المستشفى الوحيد المخصص لعلاج مرضى السرطان في القطاع. 

ولم تسلم المدارس من العدوان، مثل مدرستي الفاخورة وتل الزعتر اللتين ارتكب الاحتلال بحقهما مجزرتين في الـ 18 من نوفمبر، أسفرت الأولى عن نحو 200 شهيد والثانية عن 50 شهيدا. 

حرب لم تحقق أهدافها

ورغم كل القنابل التي أسقطتها قوات الاحتلال على قطاع غزة، والتي أدت إلى تدمير البنية التحتية في القطاع، غير أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني لم يملك استراتيجية واضحة لليوم التالي للحرب، ومن سيحكم القطاع، فقط هو تمسك بتصريحه الدائم بأنه لن يسمح بأن تكون حركة “حماس” سلطة حاكمة في اليوم التالي للحرب، ولكنه فشل في إيجاد البديل.

وأسفر غياب الهدف الاستراتيجي لدى نتنياهو، لليوم التالي للحرب، إلى استقالة وزير الدفاع السابق، ورئيس الأركان السابق جادي أيزنكوت من (كابينيت الحرب)، في شهر يونيو الماضي، وهو الكابينت الذي شكل بعد “طوفان الأقصى” من أجل إدارة الحرب على القطاع. 

ومع مضي عام كامل على الحرب، فشل كذلك في تحرير كل الرهائن من قبضة فصائل المقاومة في القطاع، وشنت القناة الـ 12 الإسرائيلية في تقرير لها الشهر الماضي هجوما على رئيس وزراء الكيان الصهيوني وقالت إنه عمل باستمرار على “نسف” أي صفقة مُحتملة لتبادل الرهائن منذ شهر ديسمبر الماضي، ولأسباب سياسية. 

ونسبت القناة لوزير بارز لم تُسمه في الكابينيت الإسرائيلي إنه كانت هناك فرصة كبيرة ضائعة، وأنه كان من الصحيح أن يتم المضي قدما في المرحلة التالية من صفقة الرهائن، والقبول بمقترح كان من شأنه أن يتم الإفراج عن رجال كبار ماتوا في الأسر.

واعترف نتنياهو في شهر يونيو الماضي، وفي شهر سبتمبر الماضي، بأن خطة تمكين العشائر في قطاع غزة باءت بالفشل. ويرفض نتنياهو عودة السلطة الوطنية الفلسطينية للحكم في قطاع غزة، فيما ترفض هي العودة إلى القطاع على ظهر دبابة صهيونية.

وأفادت صحيفة “يسرائيل هايوم” بأن نتنياهو أقر خلال جلسة للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست في الـ 22 من سبتمبر، بأن محاولة تمكين العشائر في قطاع غزة لم تنجح، علمًا بأنه في شهر مارس الماضي كان تجمع القبائل والعشائر الفلسطينية في القطاع قد أكد في بيان أنه لا يمكن أن يكون بديلا عن أي نظام سياسي فلسطيني، وأنه لا يمكن أن يكون إلا مكونا من المكونات الوطنية، وداعما للمقاومة ولحماية الجبهة الداخلية. 

وفي إطار يأسه من القضاء على حماس، نسبت وسائل إعلام إسرائيلية لنتنياهو قوله خلال الاجتماع ذاته إنه يدرس خطة جنرال الاحتياط جيورا آيلاند لإعلان شمال قطاع غزة منطقة عسكرية. 

وأمس، زعم نتنياهو في كلمة مصورة أن إسرائيل على وشك الانتهاء من تدمير كتائب حماس في القطاع. 

– اقتصاد الاحتلال يئن تحت وطأة الحرب

ويئن اقتصاد الاحتلال تحت ضغط الحرب على غزة، والتصعيد مع “حزب الله”، والتداعيات الإقليمية، وفي يوم الثلاثاء الماضي، خفضت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية، تصنيف الكيان على المدى الطويل من A+ إلى A، وأرجعت القرار إلى المخاطر الأمنية المتزايدة في ضوء التصعيد الأحدث في الصراع مع حزب الله، وسبقتها في ذلك وكالة “موديز”، التي خفضت تصنيفدولة الاحتلال درجتين إلى Baa1 مع نظرة مستقبلية سلبية أيضًا يوم الجمعة (27 سبتمبر). ويتوقع محللون أن تخطو وكالة التصنيف العالمية الثالثة “فيتش” خطوة مماثلة قريبًا.

وتسببت الحرب في ارتفاع عجز الموازنة بدولة الاحتلال إلى 8.3%، جراء الإنفاق العسكري الضخم الذي تجاوز حسب تقديرات إسرائيلية 100 مليار دولار، والأزمات التي خلّفتها الحرب في عدة قطاعات اقتصادية مثل التكنولوجيا والبناء.

خوف من هجوم جديد في الذكرى الأولى “للطوفان”

ويخشى جيش الاحتلال الصهيوني من احتمال قيام الفصائل الفلسطينية بتنفيذ هجمات في الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، أو محاولة فلسطينيين العودة إلى منازلهم في الشمال من جنوب القطاع، ولذلك أطلق عملية عسكرية وسط القطاع قرب محور “نتساريم”، وأمر سكان مُربعات سكنية في مخيمي النصيرات والبريج وسط القطاع بالإخلاء الفوري، صباح أمس السبت.

وقالت إذاعة الجيش الصهيوني إن طلب الإخلاء هدفه منع عودة سكان شمال القطاع ومنع أي هجمات يتم التخطيط لها في ذكرى السابع من أكتوبر.

زر الذهاب إلى الأعلى