“الصبر الجميل”.. دروس وعبر من التراث الإسلامي في ملتقى المرأة بالجامع الأزهر

عقد الجامع الأزهر الندوة الرابعة من البرنامج التاسع عشر من برامجه الموجهة للمرأة، بعنوان “الصبر الجميل”، وحاضر فيها كل من: د. لمياء متولي،أستاذة الفقه بجامعة الأزهر، ود. سوسن الهدهد، أستاذة أصول اللغة بجامعة الأزهر، وتدير الندوة د. حياة العيسوي، الباحثة بالجامع الأزهر الشريف.

عرّفت د. لمياء متولي، الصبر الجميل بأنه ذلك الصبر الذي لا يصاحبه شكوى، حيث يرضى الإنسان بما كتبه الله ويقوم بواجباته دون سخط أو ضجر، فالمؤمن الذي يعلم أن جميع أموره خير، لا يمكنه الشكوى من أمرٍ كتبه الله عليه، موضحة أن هناك أشكالًا وصورًا متعددة للصبر منها ضبط النفس عن الغضب والطيش، والذي يحدث عند مواجهة مثيرات الغضب، كما يشمل الصبر أيضًا ضبط النفس عن السأم والملل أثناء القيام بأعمال تتطلب الدأب والمثابرة، بالإضافة إلى ضبط النفس عن الطمع ، مشيرة إلى أهميته في حياة المسلم..
وفيما يتعلق بفضل الصبر، نقلت د. لمياء متولي، عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى قوله “إن الصبر ورد في القرآن الكريم في نحو تسعين موضعًا”، وقد حث الله تبارك وتعالى على الصبر ورغَّب فيه، كما جاء في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”
كما تناولت د. لمياء درجات الصبر، حيث ذكرت أن الدرجة الأولى هي الصبر عن المعصية، بينما الدرجة الثانية تشمل الصبر على الطاعة بالمحافظة عليها وإخلاصها وتحسينها، وأخيرًا، أشارت إلى الدرجة الثالثة، والتي تتعلق بالصبر في البلاء.

أكدت د. سوسن الهدهد، أن الصبر هو مفتاح كل خير وملاذ لكل مبتلى، موضحة أن الله سبحانه وتعالى يختبر إيمان العبد من خلال المصائب، كما في قوله تعالى”ولَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ “.

وأشارت د. سوسن إلى أهمية الصبر لكل من الرجال والنساء، مؤكدة أن المرأة قد تتحمل أكثر من الرجل، حيث إنهن شقائق الرجال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، بل إن صبر المرأة قد يفوق صبر الرجل في كثير من الأحيان، فطبيعتها مُهيأة للتحمل، وأشارت إلى أن الصبر الذي يُعطى عليه الأجر هو ما يُمارس عند بداية المصيبة، مستشهدةً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم عندما مر بامرأة تبكي عند قبر، فقال لها: “اتقي الله واصبري”.

كما أوضحت أن فقدان الولد يُعتبر من أعظم الابتلاءات، لكن جزاء الصبر عليه عظيم، يقول الله تعالى في حديثه القدسي”ما لعبدي المؤمن جزاء إذا أخذت صفية من أهل الدنيا فاحتسبه إلا الجنة”، مؤكدة على ضرورة صبر المرأة في حياتها الزوجية، مشيرةً إلى أجرها عند صبرها على سوء خلق زوجها، كما تحدثت عن أهمية صبر الأم في تربية أبنائها ودعائهم لهم بالهداية، وفي النهاية شددت أستاذة أصول الفقه على أن تربية المرأة على الصبر يعزز استقرار الأسر والمجتمعات، مما يقلل من حالات الطلاق ويؤدي إلى تقدم المجتمع”.

وحذرت د. حياة العيسوي من الملل من الصبر، مشددةً على أن الله قادر على تحقيق مرادك في لحظة، فهو يعلم دموعك وزفرات همومك، وأكدت أن الله لا يُعجزه إصلاح حالك واستجابة دعائك، لكنه يحب السائلين بإلحاح، كما قال تعالى: “إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا”، حيث يُبرز الله قيمة الصبر كعبادة تُمارس رغم الآلام، وأشارت إلى أن الابتلاءات تأتي من الله، فتكون اختبارًا للمرضى والأصحاء. فهل يصبر المريض على آلامه ويدعو لنفسه وللآخرين بالشفاء، أم يسخط على قدر الله؟ وعلى الجانب الآخر، هل يستخدم الشخص الصحيح صحته في خدمة المريض، مُدركًا أنها نعمة يجب شكر الله عليها.

وذكرت الباحثة بالجامع الأزهر، أن الخير والشر كلاهما ابتلاء، وأن استخدام الخير في خدمة الله والصبر على الشر هو اختبار من الله. كما استشهدت بقوله تعالى” فأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ” ، حيث يُظهر الابتلاء بالخير والشر، مؤكدة أن نجاح المؤمن في كل ابتلاء يُعزز قوته وصلابته في مواجهة الحياة

زر الذهاب إلى الأعلى