هيئة كبار العلماء: مثل هذا اليوم ذكرى مولد أ.د. حسن الشافعي

في مِثْلِ هذا اليومِ –التَّاسعَ عَشَرَ منْ ديسمبر عامَ 1930م، المُوافِقِ الثَّامنَ والعشرِينَ منْ رجبٍ سنةَ 1349هـ- وُلِدَ الأستاذُ الدُّكتور حسن محمود عبد اللطيف الشافعي، المُفكِّرُ الإسلاميُّ، في قريةِ بني ماضِي، التَّابعةِ لمدينة بِبَا، بمُحافَظةِ بني سُوَيْفٍ بالصَّعيدِ الأدنَى لمِصرَ.

نَشَأَ فضيلتُه نشأةً دينيَّةً في قريتِه؛ حيثُ أتمَّ حفظَ القرآنِ الكريمِ، وتلقَّى دُروسَه الأوَّليَّةَ هناكَ، ثمَّ ألحَقَه والدُه -الَّذي كانَ منْ عُلماءِ الأزهرِ-بمعهدِ القاهرةِ الدِّينيِّ، فحصلَ منْه على الشَّهادتَيْنِ: الابتدائيَّةِ، والثَّانويَّةَ.

التَحَقَ بكلِّيَّةِ أصولِ الدِّينِ بالأزهرِ، وفي الوقتِ نفسِه بدارِ العُلومِ بجامعةِ القاهرةِ، وحصلَ على اللِّيسانس والشَّهادةِ العاليةِ منْهما بمرتبةِ الشَّرفِ، فاختِيرَ مُعيدًا فيهما، وتسلَّمَ عملَه بدارِ العُلومِ في قسمِ الفلسفةِ الإسلاميَّةِ عامَ 1963م.

أشرفَ أستاذُه رئيسُ القسمِ وعميدُ الكلِّيَّةِ الدُّكتور محمود قاسم عليه؛ لنَيْلِ درجةِ الماجستير في الفلسفةِ الإسلاميَّةِ، فحصلَ عليها عامَ 1969م، وعُنوانُها «سيفُ الدِّينِ الآمديُّ المُتكلِّمُ الأشعريُّ»، وقدْ نشرَ المجلسُ الأعلى للشُّؤونِ الإسلاميَّةِ بالقاهرةِ الجُزءَ النَّصِّيَّ منْها عامَ 1971م، وعُنوانُه: «غايةُ المَرامْ في علمِ الكلامْ»، بتزكيةٍ مِنَ الأستاذَيْنِ الجليلَيْنِ: الدُّكتور شوقي ضيف، رئيسِ قسمِ اللُّغةِ العربيَّةِ بكلِّيَّةِ الآدابِ بجامعةِ القاهرةِ حينَئذٍ، والأستاذِ محمد أبي الفضل إبراهيم المُحقِّقِ الشَّهيرِ، ثمَّ نُشِرَتِ الدِّراسةُ بعدَ ذلك بنَحْوِ ثلاثين عامًا، وعُنوانُها: «الآمديُّ وآراؤُه الكلاميَّةُ».

استمرَّ فضيلةُ الأستاذ الدكتور حسن الشافعي يعملُ معَ أستاذِه؛ للحُصولِ على درجةِ الدُّكتوراه في موضوعِ «نصيرُ الدِّينِ الطُّوسيُّ وآراؤُه الكلاميَّةُ والفلسفيَّةُ»، مُحافِظًا في الوقتِ نفسِه على صلتِه الوثيقةِ بأستاذِه الشَّيخِ عبد الحليم محمود شيخِ الأزهرِ الشَّريفِ.

حينَ أوشكَ على إتمامِ رسالتِه، أُتِيحَتْ له فرصةُ السَّفرِ إلى كلِّيَّةِ الدِّراساتِ الشَّرقيَّةِ والإفريقيَّةِ، بجامعةِ لندن عامَ 1973م، وأشرفَ عليه هناكَ كلٌّ مِنَ: الأستاذ جونسون والبروفسور لامبتون في قسمِ دراساتِ الشَّرقِ الأوسطِ، وقدْ نالَ فضيلتُه درجةَ الدُّكتوراه في الدِّراساتِ الإسلاميَّةِ عامَ 1977م عنْ «تطوُّرُ علمِ الكلامِ الاثنا عشريِّ في القرنِ السَّابعِ الهجريِّ»، وهو العملُ الَّذي قُدِّرَ له أنْ يصدرَ بعدَ نحو ثلاثين عامًا أيضًا باللُّغةِ الإنجليزيَّةِ عنْ مَجْمَعِ البُحوثِ الإسلاميَّةِ بإسلام آباد بباكستانَ عامَ 2005م.

عادَ فضيلةُ الدُّكتور حسن الشافعي مُدرِّسًا بقِسمِ الفلسفةِ الإسلاميَّةِ بدارِ العُلومِ منْ عامِ 1977م حتَّى 1981م، تخلَّلَها زيارتانِ لمدَّةِ شهرٍ واحدٍ إلى كلٍّ منْ جامعتَيْ: أمِّ القُرى بالمملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ، وأمِّ دُرمان بالسُّودانِ، خلالَ عامِ 1979م.

أُعِيرَ فضيلتُه عامَ 1981م إلى «الجامعةِ الإسلاميَّةِ» بإسلام آباد عاصمةِ باكستانَ؛ حيثُ عملَ -معَ كوكبةٍ مِنَ الأساتذةِ المِصريِّينَ- في إنشائِها، ووَضْعِ مناهجِ التَّدريسِ، والعملِ بها، وتولَّى عامَ 1983م عِمادةَ كُلِّيَّةِ الشَّريعةِ والقانونِ فيها، وحينَ صارَتِ الجامعةُ عالميَّةً عامَ 1985م عُيِّن نائبًا لرئيسِها، واستمرَّ حتَّى عامَ 1989م؛ حيثُ عادَ إلى القاهرةِ ليُعَيِّنَ وكيلًا لكلِّيَّةِ دارِ العلومِ حتَّى عامِ 1992م، ثمَّ رئيسًا لقِسمِ الفلسفةِ الإسلاميَّةِ حتَّى بُلُوغِه سِنَّ المعاشِ عامَ 1995م، ثمَّ أستاذًا مُتفرِّغًا حتَّى عامِ 1998م.

سافَرَ فضيلتُه مرَّةً أخرَى إلى باكستانَ رئيسًا للجامعةِ الإسلاميَّةِ العالميَّةِ؛ حيثُ صدرَ قرارٌ منْ مجلسِ أمناء الجامعةِ بالإجماعِ باختيارِه رئيسًا لها، فأنشأَ المَقرَّ الجديدَ لها في قلبِ العاصمةِ الباكستانيَّةِ، وأضافَ إليها ثلاثَ كُلِّيَّاتٍ جديدةٍ: العُلومِ الإداريَّةِ، والعُلومِ الاجتماعيَّةِ، والعُلومِ التَّطبيقيَّةِ؛ وحينَ انتهَتْ رئاستِه عامَ 2002م مُدَّتْ خدمتُه عامَيْنِ آخرَيْنِ.

عادَ فضيلتُه إلى القاهرةِ أستاذًا غيرَ مُتفرِّغٍ بكلِّيَّةِ دارِ العُلومِ عام 2004م وفيه اختِيرَ عُضوًا بمَجْمَعِ اللُّغةِ العربيَّةِ بالقاهرةِ، ثمَّ انتُخِبَ رئيسًا لمَجْمَعِ اللُّغةِ العربيَّةِ بالقاهرةِ لفترتَيْنِ مُتتاليتَيْنِ، بين عامي: 2012، و2020م.

وعندَما أعادَ الإمامُ الأكبرُ الأستاذُ الدُّكتور أحمد الطيب شيخُ الأزهرِ هيئةَ كبارِ العلماءِ مرَّةً أُخرَى، كانَ فضيلةُ الأستاذِ الدُّكتور حسن الشافعي منْ أوائلِ الأعضاءِ المُؤسِّسينَ للهيئةِ؛ حيثُ عُيِّنَ فضيلتُه عضوًا بالهيئةِ بمُقتضَى قرارِ رئيسِ الجمهوريَّةِ رَقْمِ (24) الصَّادرِ في السَّابعِ والعشرِينَ منْ شعبانَ سنةَ 1433هـ، المُوافِقِ السَّابعَ عَشَرَ منْ يوليو عامَ 2012م.

وقدْ أثرَى فضيلتُه هيئةَ كبارِ العُلماءِ بالكثيرِ منْ مُقترحاتِه العِلميَّةِ، وضربَ بسهمٍ وافرٍ في جميعِ المُناقشاتِ التَّي دارَتْ داخلَها، كما حرصَ فضيلتُه على حضورِ جلِّ جلساتِها، فلمْ يتغيَّبْ إلَّا لظُروفٍ خارجةٍ عنِ الإرادةِ.

وتكريمًا لجهودِ فضيلةِ الأستاذِ الدُّكتور حسن الشافعي اختِيرَ لجائزةِ الملكِ فيصلٍ العالميَّةِ لخدمةِ الإسلامِ عامِ 2022م، كما أنَّ فضيلتَه منْ عُشَّاقِ العربيَّةِ المُحافِظينَ عليها، المُدافعِينَ عنْها، ولا يقلُّ دورُه في خدمتِها عنْ دورِه في خدمةِ الإسلامِ.

ومع كثرةِ الوظائفِ الَّتي تولَّاها فضيلةُ الأستاذِ الدكتور حسن الشافعي فإنَّه استطاعَ أنْ يُثرِيَ المكتبةَ العربيَّةَ والإسلاميَّةَ بكثيرٍ مِنَ الكُتبِ والأبحاثِ العلميَّةِ، ومنْها: «تحقيقُ ودراسةُ كتابِ: غايةُ المرامْ في علمِ الكلامْ»، «في الفلسفةِ: منهجٍ وتاريخٍ» بالاشتراكِ معَ الدُّكتور كمال جعفر، «تحقيقُ كتابِ: المُبِينْ في معاني ألفاظِ الحُكماءِ والمتكلمينْ، لسَيْفِ الدِّينِ الآمديِّ»، «ترجمةُ كتابِ: تاريخُ التَّشريعِ الإسلاميِّ، لكولسون، عن الإنجليزية» بالاشتراكِ معَ الدُّكتور محمد سراج، «في فكرِنا الحديثِ والمُعاصِرِ»، «تطوُّرُ الفكرِ الفلسفيِّ في إيرانَ» مُترجَمٌ مِنَ الإنجليزيَّةِ بالاشتراكِ معَ الأستاذِ الدُّكتور محمد السعيد جمال الدين، «المنطقُ ومناهجُ البحثِ»، «المَدْخَلُ إلى دراسةِ علمِ الكلامِ»، «فصولٌ في التَّصوُّفِ»، «مُقدِّمةٌ في الفلسفةِ العامَّةِ»، «لمحاتٌ مِنَ الفكرِ الكلاميِّ»، «التَّيَّارُ المَشَّائِيُّ في الفلسفةِ الإسلاميَّةِ»، «تحقيقُ وترجمةُ كتابِ: عَطْفُ الألِفِ المَألوفْ على اللَّامِ المعطوفْ، لأبي الحسنِ الدَّيلميِّ منْ صُوفيَّةِ القرنِ الرَّابعِ الهجريِّ»، «تجريدُ الاعتقادِ» دراسةٌ بالإنجليزيَّةِ لعلمِ الكلامِ الاثنا عشريِّ وتطوُّرِه حتَّى القرنِ السَّابعِ الهجريِّ، «تحقيقُ كتابِ: أساسُ الاقتباسِ في المنطقِ، لنصيرِ الدِّينِ الطُّوسيِّ» بالاشتراكِ، «حياتِي في حكاياتِي» سيرةٌ ذاتيَّةٌ نُشرِتْ بالسعوديَّةِ، «الدُّرَّةُ الكلاميَّةُ» منظومةٌ في أُصولِ الدِّين الإسلاميِّ، نشرَتْها الأمانةُ العامَّةُ لهيئةِ كبارِ العُلماءِ بالأزهرِ الشَّريفِ عامَ 2020م، «أغاريدُ الحبِّ والحُرِّيَّةِ» ديوانُ شعرٍ، «مقالٌ في المنهجِ»، «مُقدِّمةٌ تأسيسيَّةٌ لعلمِ القواعدِ الاعتقاديَّةِ»، «حِكَمٌ منْ عطاءِ اللهِ»، «قولٌ في التَّجديدِ»، «الأربعون الصِّحِّيَّةِ في الأحاديثِ النَّبويَّةِ» نشرَتْها الأمانةُ العامَّةُ لهيئةِ كبارِ العُلماءِ بالأزهرِ الشَّريفِ، «مقالاتٌ وبحوثٌ في الفِكرِ والحياةِ»، «تحقيقُ كتابِ: اللُّمَعْ في الرَّدِّ على أهلِ الزَّيغِ والبِدَعْ، للإمامِ أبي الحسنِ الأشعريِّ»، « ترجمةُ كتابِ: نحوَ علمِ اجتماعٍ إسلاميٍّ» للدُّكتور محمد الغزالي منْ عُلماءِ باكستانَ.

كما كَتَبَ فضيلةُ الأستاذِ الدُّكتور حسن الشافعي عشراتِ المقالاتِ في المجلَّاتِ والدَّوريَّاتِ العِلميَّةِ في مِصرَ وخارجِها، إلى جانبِ الإشرافِ والتَّحكيمِ لعشراتِ الرَّسائلِ الجامعيَّةِ، والمناهجِ المُتخصِّصةِ في مصرَ والعالمِ العربيِّ والإسلامي.

وهكذا نجدُ أنَّ المَهامَّ الكثيرةَ الَّتي تولَّاها فضيلةُ الأستاذِ الدُّكتور حسن الشافعي لمْ تحُلْ بينَه وبينَ العملِ العِلميِّ؛ معلّمًا ومُؤلفًا ومشاركًا في الهيئاتِ العِلميَّةِ الثَّقافيَّةِ، فمنذُ أكثرَ منْ عشرين عامًا وفضيلةُ الدُّكتور حسن الشافعي يُدرِّسُ كتابَ «المواقف»، وغيرَه منْ كُتُبِ علمِ الكلامِ والفلسفةِ، ويشرحُ الحِكَمَ العطائيَّةَ، وكتابَ «الفُتوحاتُ الإلهيَّةِ»، وغيرَه منْ كُتُبِ التَّصوُّفِ، في درسِه الأسبوعيِّ يومَ الخميسِ بالجامعِ الأزهرِ الشَّريفِ.

تسعونَ عامًا، بلْ تزيدُ أربعةً، ولا يزالُ فضيلتُه خادمًا للعلمِ: بينَ كتابٍ يُخرجُه، أو دَرْسٍ يُقدِّمُه، فحفظَ اللهُ فضيلته، وباركَ في عُمُرِه وعلمِه، وجزاه عنِ العلمِ وطُلَّابِه خيرًا.

نسألُ اللهَ أنْ يمدَّ في عُمُرِه، ويرزقَه الصِّحَّةَ والعافيةَ والعملَ الصَّالحَ

زر الذهاب إلى الأعلى