“هيئة كبار العلماء”: في مثلِ هذا اليومِ الثَّامِنِ منْ ينايرَ عامَ 1946م تُوفِّيَ الإمامُ الرَّاسخُ يوسف الدجوي

أكدت هيئة كبار العلماء، عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أنه في مثلِ هذا اليومِ -الثَّامِنِ منْ ينايرَ عامَ 1946م، المُوافِقِ الرَّابعَ منْ صفرٍ سنةَ 1365هـ- تُوفِّيَ الإمامُ الرَّاسخُ يوسف ابنُ شيخِ العربِ أحمد بن نصر بن سويلم الدجوي، الجَهبذُ الفذُّ الحَبْرُ الفقيهُ المالكيُّ المُفسِّرُ المُحدِّثُ الأصوليُّ، أحدُ مشاهيرِ أعلامِ العصرِ الأجلَّاءِ، أشهرُ علماءِ الجامعِ الأزهرِ في عصرِه.
وُلِدَ فضيلتُه في عامِ 1287هـ، المُوافِقِ عامَ 1870م، في قريةِ دجوةَ، التَّابعةِ لمركزِ طُوخٍ، بمُحافَظةِ القليوبيَّةِ.
نشأَ الشَّيخُ في عائلةٍ كريمةٍ، فكانَ أبوه منْ أعيانِ دجوةَ المشهورِينَ، وكانَ مَضرِبَ المثلِ في الكرمِ والمُروءةِ، وهو منْ إحدى قبائلِ العربِ الحجازيَّةِ، وكانَ منْ أهلِ الدِّينِ والصَّلاحِ، وكانَ بيتُه قبلةَ العُلماءِ والفُضلاءِ، وكانَتْ لديه مكتبةٌ عامرةٌ بالكتبِ القيِّمةِ، يختلفُ إليها أهلُ العلمِ وطلَّابُه؛ للاطِّلاعِ والبحثِ والمُدارَسةِ.
ووالدتُه السَّيِّدةُ الهاشميَّةُ الَّتي ينتهِي نسبُها إلى سبطِ خيرِ الرُّسلِ الحسنِ بنِ عليٍّ رضيَ اللهُ عنْ آلِ بيتِ رسولِ اللهِ ﷺ، وكانَ والدُها السَّيِّدَ عبد الفتاح الفرغلي منْ أكابرِ الأولياءِ، وأصحابِ الكراماتِ الظَّاهرةِ.
وقدْ كانَ لهذا الأصلِ الشَّريفِ أطيبُ الأثرِ في بناءِ شخصيَّةِ الشَّيخِ منذُ حداثةِ سِنِّه، فحفظَ القرآنَ الكريمَ وجوَّدَه على يدِ الشَّيخِ حسن الجريسي الكبير، كما دَرَسَ مبادئَ الفقهِ المالكيِّ، والنَّحوِ، والسِّيرةِ النَّبويَّةِ المُطهَّرةِ.
التحقَ الشَّيخُ يوسف الدجوي بالأزهرِ الشَّريفِ، وتلقَّى العلمَ على كبارِ عُلماءِ عصرِه، ومنْهمُ: الشَّيخُ هارون عبد الرازق، والشَّيخُ رزق صقر البرقامي، والشَّيخُ سليم البشري، والشَّيخُ محمد البحيري، والشَّيخُ عطية العدوي، والشَّيخُ أحمد فائد الزرقاني، والشَّيخُ حسن الجريسي الكبير، وغيرُهم.
كانَ الشَّيخُ الدجوي شديدَ الذَّكاءِ، سريعَ البديهةِ، لديه قدرةٌ فائقةٌ على تحريرِ المسائلِ، بالإضافةِ إلى ما أُوتِيَ منْ جَلَدٍ على الدَّرسِ، والصَّبرِ على تحصيلِ العلمِ، فلمْ يكنْ ينقطعُ عنْ حلقاتِ الدَّرسِ بالأزهرِ.
حصلَ الشَّيخُ الدِّجوي على شهادة العالِمِيَّةِ عامَ 1898م، وكانَ رئيسُ لجنةِ الامتحانِ الأستاذَ الكبيرَ العلَّامةَ الشَّيخَ سليمًا البشريَّ شيخَ الأزهرِ وقتَئذٍ، وقدْ أُعجِبَ الشَّيخُ سليمٌ وأعضاءُ اللَّجنةِ بذكاءِ الشَّيخِ يوسف النَّادرِ، وعلمِه الفيَّاضِ، فأقرُّوا له جميعًا بالدَّرجةِ الأولَى المُمتازةِ.
نالَ الشَّيخُ يوسف الدِّجوي عُضويَّةَ هيئةِ كبارِ العُلماءِ بالإرادةِ السَّنيَّةِ الصَّادرةِ لرياسةِ مجلسِ الوزراءِ في الحادي والعِشرِينَ منْ ذي القَعدةِ سنةَ 1338هـ، المُوافِقِ السَّادسَ منْ أغسطس 1920م، كما أُنْعِمَ عليه بكسوةِ التَّشريفِ العلميِّ مِنَ الدَّرجةِ الأُولَى.
تتلمذَ على يدِ الشَّيخِ الدجوي كثيرٌ مِنَ المشايخِ الأجلَّاءِ، ومنْهمُ: الشَّيخُ أبو الحسن زيد الفاروقي الهنديُّ، والعلَّامة عبد الواسع يحيى الواسعي، والشَّيخُ أحمد بن محمد الهواري، والسَّيِّدُ وزيرُ الأفغانِ المُفوَّضُ بمِصرَ سابقًا، والشَّيخُ محمد زاهد الكوثري، وغيرُهم.
أمَّا عنْ مُؤلَّفاتِ الشَّيخِ الدِّجوي، فقدْ كانت في عُلومِ الشَّريعةِ، واللُّغةِ والدَّعوةِ، والفلسفةِ، ومنْ هذه المُؤلَّفاتِ: «سبيلُ السَّعادةِ»، «رسائلُ السَّلامْ ورسلُ الإسلامْ»، «خُلاصةُ الوضعْ في علمِ الوضعْ»، «المُحاضَرةُ السُّلطانيَّةُ»، «مذكراتُه في الرَّدِّ على كتابِ: الإسلامُ وأصولُ الحُكْمِ»، «رسالةٌ في السَّماعِ»، «مقالاتُ وفتاوِي الشَّيخِ الدِّجوي» جُمِعَتْ فيه مقالاتُه وفتاوِيه في مجلَّةِ «نورُ الإسلامِ» وغيرِها.
قالَ عنْه تلميذُه الشَّيخُ محمد زاهد الكوثري: «كانَ رحمَه اللهُ آيةً في: الذَّكاءِ، وسُرعةِ الخاطرِ، وجودةِ البيانِ، وقُوَّةِ الذَّاكرةِ، وسَعَةِ العِلمِ.
وكانَ يحضرُ حلقاتِ درسِه في الأزهرِ الشَّريفِ مئاتٌ تناهزُ الألفَ مِنَ العُلماءِ وطلبةِ العُلومِ، يصغَونَ إصغاءً كُلِّيًّا إلى بيانِه السَّاحرِ، وإلقائِه الجذَّابِ، وينهلُونَ منْ هذا المنهلِ العَذْبِ، وكانَ مُفسِّرَ الأزهرِ، ومُحدِّثَه، وفيلسوفَه، وكاتبَه، وخطيبَه».
ظلَّ الشَّيخُ يوسف الدِّجوي يُواصلُ عطاءَه العِلميَّ حتَّى وافاه أجلُه في مساءِ يومِ الثَّلاثاءِ الرَّابعِ منْ صفرٍ سنةَ 1365هـ، المُوافِقِ الثَّامنَ منْ ينايرَ عامَ 1946م، بعزبةِ النَّخلِ -ضاحيةٌ منْ ضواحِي القاهرةِ- ودُفِنَ يومَ الأربعاءِ، بعدَ أنْ صُلِّيَتْ عليه صلاةُ الجِنازةِ في مسجدِ الأميرةِ فريالَ، وحُمِلَتْ جِنازتُه على الأكتافِ في حَشْدٍ كبيرٍ، وجَمْعٍ غفيرٍ إلى مدفنِه في مقبرةِ عينِ شمسٍ، عنْ ثمانٍ وسبعِينَ سنةً، قضاها في الأعمالِ الصَّالحةِ، ونشرِ العُلومِ النَّافعةِ، والدَّعوةِ إلى اللهِ تعالى بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ.
رَحِمَه اللهُ رحمةً واسعةً، وأنزلَه منازلَ الأبرارِ

زر الذهاب إلى الأعلى