شَهْرِ شَعْبَان(تحذير و حِكَمُ)بقلم فضيلة الدكتور عبد الرحمن سرحان، عضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر
الحمدُ للهِ رب العالمين، الحمدُ للهِ القائل في محكم التنزيل( وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )سورة ال عمران(133)، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ القائل في حديث أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ: ” ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ “(أحمد والنسائي بسند حسن)،وبعد..
نحن نعلمُ جميعاً أنَّ الرسولَ ﷺ كان يجتهدُ في شعبانَ ويخصُّهُ بأعمالٍ دونَ غيرِهِ مِن الشهورِ، والسؤالُ الذي يطرحُ نفسهُ هنَا، ما الحكمةُ مِن تخصيصِ الرسولِ ﷺ لشهرِ شعبانَ بأعمالٍ دونَ غيرِهِ مِن الشهورِ؟!!
والجوابُ عن ذلكَ يتلخصُ في أربعِ حكمٍ كما يلي:
1- غفلةُ الناسِ: فكثيرٌ منَّا يهتمُّ بشهرِ رجبٍ لأنه شهر مُحَّرم ورمضانَ لأنه شهر العتق من النيران، ويغفلُ عن شعبانَ ويعتبرهُ راحةً وهدنةً، فقد بيَّنَ النبيُّ الأمينُ ﷺ أنَّ شهرَ شعبانَ شهرٌ يَغفلُ عنهُ الناسُ، ” ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ “، فالكيسُ مِن الناسِ الذي يغتنمُ غفلتَهُم، فيفوزَ بالقبولِ عندَ مولاهُ اقتداءً بنبيِّهِ ومصطفاه.
2- ترفعُ فيهِ الأعمالُ إلى اللهِ: فالنبيُّ ﷺ يحرصُ وقتَ رفعِ العملِ أنْ يكونَ في أحسنِ حالٍ مع اللهِ، إذ تأتِي الملائكةُ فتجدهُ صائماً قائماً، فإذا كان الواحدُ منَّا يستحِى أنْ يراهُ ولىُّ أمرِهِ أو رئيسُهُ أو مديرُهُ وهو على معصيةٍ أو في وضعٍ غيرِ لائقٍ، فمِن بابِ أولَى أنْ يكونَ في أتقَى وأنقَى وأصفَى حالٍ مع اللهِ، ولا سيّمَا حينَ رفعِ التقريرِ السريِ السنويِ إليهِ سبحانَهُ وتعالى، ففي حديث أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ! قَالَ: ” ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ “(أحمد والنسائي بسند حسن)،
3- شهرَ شعبانَ تمرينٌ لشهر رمضانَ: فصيامُ شعبانَ كالتمرينِ على صيامِ رمضانَ لئلّا يدخلُ في صومِ رمضانَ على مشقةٍ وكلفةٍ، ولذلكَ نزلَ القرآنُ والأوامرُ والنواهِي تدريجياً حتى لا توجدُ على الناسِ مشقةٌ، قالَ تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} (الفرقان: 32)، ولذلك فإنَّ الشخصَ الذي لم يصمْ ولا يوماً مِن رمضانَ حتى رمضانَ الثانِي، فإنَّ خبرَ رؤيةِ هلالِ رمضانَ يكونُ عليهِ كالصاعقةِ، وكأنَّهُ كُلِّفَ بنقلِ جبلٍ وما هو بناقلِهِ.
4- شهرَ شعبانَ كسُنَّةٍ قبليةٍ لرمضانَ.
إنَّ شهرَ شعبانَ سنةٌ قبليةٌ ونافلةٌ لرمضانَ، كما أنَّ الستةَ أيامٍ مِن شوالٍ سنةٌ بعديةٌ، فصيامُ شعبانَ سنةٌ قبليةٌ، ولما كان صومُ رمضانَ لا بُدَّ أنْ يقعَ فيهِ تقصيرٌ وتفريطٌ، ندبَ إلى صومِ شعبانَ وستةِ أيامٍ مِن شوالٍ جابرةً لهُ، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ ” إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ بِصَلَاتِهِ فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلُ بِهِ مَا نَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ”(الترمذي).
وأسأل الله عز وجل أن يُجبر بخاطرنا، وأن يديم علينا الصيام والقيام وسائر الأعمال الصالحة