ليلة النصف من شعبان..نسائم الرحمة ونفحات المغفرة
بقلم / فضيلة الأستاذ الدكتور عصمت رضوان
وكيل كلية اللغة العربية بجرجا
عضو مجلس إدارة المنظمة العالمية لخريجي الأزهر الشريف بسوهاج
في كل عام تطل علينا ليلة النصف من شعبان، بضيائها المشرق، وعطرها الفواح، المحمّل بنسائم الرحمة، ونفحات المغفرة، تطل علينا محاطةً بهالات الإيمان، وفيوضات اليقين، تبسط أكفّها للغافلين، وتطرق أبواب القلوب الموصدة، علّها تفتح لتلج في طريق التوبة والإنابة.
إنها ليلة اختصها الله بفيض رحمته، وجزيل عطائه، وجعلها موسمًا لمغفرته، تتنزل فيها البركات، وتفيض فيها الرحمات، حتى يكاد الكون كله يتضوع بنفحات القبول، وحتى يشعر المؤمن بأن نسمات الصفح تلامس روحه، فتزيل أدران الذنوب، وتغسل أحقاد القلوب، وتبعث فيه حياةً جديدة، روحها الصفاء، ولبّها المحبة.
لكن هل يكون القبول لمن ملأ صدره بالبغضاء، وأغلق قلبه على الضغينة؟ كيف يتطلع إلى رحمة الله من أغلق على نفسه أبواب العفو عن الناس؟ إن القلوب إذا تكدّرت بالشحناء، توقفت عنها بركات السماء، وإذا امتلأت بالحقد، حُجبت عنها أنوار الهداية.
فكم من أيدٍ رُفعت في هذه الليلة، وقلوب أصحابها بريئة من الشحناء، فوجدت أبواب الرحمة مفتَّحة، وكم من قلوب أصرّت على الجفاء والكراهية، فوجدت طريق المغفرة موصدًا.
إنه نداء صادق لكل نفس أثقلتها الضغائن، بأن تتحرر من قيود الكراهية، و تغسل قلوبها بماء التسامح، لتصير بيضاء نقية، وتكون جديرة بعطايا الله في هذه الليلة المباركة.
إن تصفية النفس من بقايا الضغينة والشحناء ليست مجرد واجبٍ دينيّ، بل هي فلسفة حياة تحمل في طياتها سرّ الصفاء والطهر.
فكيف لنا أن نُفعل هذا الحب ونحن نثقل قلوبنا بأعباء الكره؟
إن ليلة النصف من شعبان تذكرنا بأن علينا أن نجرد أنفسنا من كل ما يعوق نفوسنا عن طهارتها، فحين يذوب الحقد وتتبدّد الشحناء، يبرز وجه الإنسان الحقيقي، كزهرةٍ تفتحت على شمس الحق، لتضيء درب الهداية، وتبدد غلس الظلام.
إن إحياء هذه الليلة هو فرصة ذهبية للاقتراب من الله عزوجل، والتماس رضاه، وطلب الغفران والصفح منه سبحانه.
إن العاقل لا يدعها تمرّ مرور الغافلين، بل يقف فيها وقفة محاسبة، ويرفع فيها يديه متضرعاً، مستغفراً، ذاكراً، تائباً، علّه يحظى بنفحة من نفحات الرحمة الإلهية، فتبدّل سيئاته حسنات، وتمحو ذنوبه في سجل العفو الإلهي.
فما أجمل أن يجتمع الناس على ذكر الله، وما أعذب أن تتناثر الدعوات من شفاه المؤمنين، تتوسل إلى الله بقلوب مخلصة، وأرواح متلهفة، علّها تكتب في ديوان المرحومين!
إن ليلة النصف من شعبان ليست مجرد تاريخ يمرّ، بل هي إشراقة روح، وطهارة نفس، وصفحة بيضاء تُمنح لكل من أراد أن يبدأ من جديد.
فطوبى لمن اغتنمها بصدر سليم، وطوبى لمن مدّ يده بالعفو قبل أن يمدها بالدعاء، وطوبى لمن جعلها جسرًا إلى الله، حيث لا حقد، ولا شحناء، بل محبة خالصة، وسلام داخلي، وقلوب تهفو إلى الرضا والرحمة.
فلنغتنم هذه الفرصة الثمينة، ولنقم بتصفية نفوسنا من كل حقد وشحناء، ولنجعل من هذه الليلة المضيئة محطةً للإنابة والرجوع إلى الله تعالى.
فهي ليلة لا مكان فيها للضغائن، بل ينتشر فيها نور الصفاء وضياء المغفرة، معلنةً ولادة روحٍ جديدة، متحررة من قيود الماضي، متطلعةً نحو عهد جديد في طريق الإيمان .