رسالة “السيسي وماكرون” من خان الخليلي
بقلم / أ.د/ أسامة نبيل
كلية اللغات والترجمة – جامعة الأزهر
في قلب القاهرة الفاطمية، وتحديدًا من خان الخليلي، ذلك الحي العريق الذي ينبض بالتاريخ والهوية المصرية الأصيلة، تجول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في مشهد بدا للوهلة الأولى سياحيًا، لكنه في العمق يحمل رسائل دبلوماسية وثقافية عميقة تتجاوز مجرد زيارة بروتوكولية.
اختيار خان الخليلي لم يكن عشوائيًا، فهو ليس فقط مزارًا سياحيًا شهيرًا، بل رمز حي لتعددية مصر الثقافية والدينية، ومكان يشهد على تداخل العصور، من الفاطمية إلى المملوكية، مرورًا بالعثمانية وحتى الحديثة. هذه الخلفية جعلت من الزيارة رسالة تأكيد على عمق الحضارة المصرية وقدرتها على احتضان الآخر، وهي قيمة أساسية في خطاب الدولة المصرية الحديثة.
من خلال هذه الجولة، حرصت القيادة المصرية على توظيف القوة الناعمة، موجهة رسالة واضحة إلى العالم بأن مصر، رغم التحديات الإقليمية، تظل بلدًا آمنًا، مضيافًا، منفتحًا على الشراكات الثقافية والاقتصادية. أما ماكرون، فقد أظهر من خلال مشاركته في هذه الزيارة تقديرًا خاصًا للثقافة العربية والإسلامية، وتفهمًا لأهمية التقارب الحضاري، وهو موقف مهم في ظل تصاعد بعض الخطابات المتطرفة داخل أوروبا.
الزيارة كذلك حملت في طياتها تأكيدًا على أن العلاقات بين مصر وفرنسا تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة، لتصل إلى مستوى من الحوار الحضاري، المبني على احترام الخصوصيات الثقافية والدينية لكل طرف. خان الخليلي، ببضائعه اليدوية وروائحه الشرقية وصوفيته الشعبية، كان مسرحًا لرسالة مفادها أن التعايش ليس شعارًا بل ممارسة واقعية.
الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام لماكرون والسيسي وسط زحام البازار الشعبي لم تكن للزينة الإعلامية فقط، بل كانت موجهة للرأي العام الفرنسي والمصري والدولي، مفادها أن العلاقات بين البلدين تستند على جسور من التفاهم الحضاري والتاريخي، وليس فقط المصالح السياسية أو الاقتصادية.
في النهاية، يمكن القول إن رسالة السيسي وماكرون من خان الخليلي لم تكن فقط دعوة للسياحة أو استعراضًا للبروتوكول، بل كانت خطابًا بصريًا وسياسيًا يحمل دلالات عميقة حول الانفتاح والتعددية، والبحث عن مساحات مشتركة بين الشرق والغرب. خان الخليلي، بتاريخه العريق، تحول في تلك اللحظة إلى منصة حوار حضاري لا تقل أهمية عن أي قاعة مؤتمرات سياسية.