أمين “البحوث الإسلامية”: البناء الحضاري لا ينفك عن بناء الإنسان جسدًا وروحًا فكرًا واعتقادًا سلوكًا وثقافةً
قال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية د. محمد الجندي إن بناء الأوطان مرهون ببناء أركان البنيان ـ أعني الإنسان ـ فالإنسان بنيان الله في الأرض، وكما أن البناء الحضاري، لا ينفك عن بناء الإنسان جسدًا وروحًا، فكرًا واعتقادًا، سلوكًا وثقافةً، فنًّا وفلسفةً إلى آخر ذلك من جوانب بناء الإنسان المختلفة، كذلك هدم الإنسان نتيجة طبيعية لمقدمة تجاهل الأخلاق وتجاهل الروح والانشغال بالمادة المجردة ، وفارق شاسع بين حياة الغابة وحياة الإنسان ، مضيفا أن حياة الغابة استطارت الأفئدة من صراعاتها شعاعا ورهباً، وهي كثيرة لا تحصى فأحصيها، ولا هي مما يستقصى فأختار بعضا من نواحيها، سهرت عيون في خدمتها، لا هم لها إلا هدم كل مقومات بناء إنسان، فانقضت على الدين والأخلاق والقيم والوعي انقضاض البزاة على طرائدها، والعطاش على مواردها، والقرآن المكي له سمات واضحة في بناء الإنسان بناء عقديًّا وسلوكيًّا، ففيه الأدلة والبراهين التي يحتاجها المسلم في عرض عقيدته دفاع عنها أمام الجافي والنافي والمتشكك، وما أكثر الأدلة (فلدينا الدليل العقلي والدليل السمعي والدليل الحسي والدليل المشترك بين العقلي والحسي….) فضلًا عن عرض تجارب الأمم لا سيما تلك الأمم التي أرادت هدم الإنسان وقلب الفطرة الإنسانية، ولنا في قصة قوم لوط الدروسُ الناطقةُ بأنَّ أي محاولة لهدم الإنسان وإفساد فطرته ستقابل بعقوبة إلهية تقلب الحياة لديه رأسا لعقب.
أضاف د. الجندي خلال كلمته التي ألقاها ضمن فعاليات المؤتمر الدولي العلمي الخامس لكلية الشريعة والقانون بالقاهرة، والذي يعقد بعنوان( بناء الإنسان في ضوء التحديات المعاصرة)، أننا حين نتأمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث غريب: «إنَّ هذا الإنسانَ بنيانُ اللَّهِ فملعونٌ مَنْ هدم بنيانَه” تتجلى قيمة بناء الإنسان خليفة الله في هذا الوجود، فبناء الإنسان مرهون بكليات خمس(الدين والعرض والنفس والعقل والمال) كليات لا ينبغي لإنسان أن يترنح عنها، موضحًا أنَّ فقه كلمة (بناء) ينبثق من مسارات ضامنة: المسار الأول المسار العقدي الإيماني: وهنا يتجلى دور الأزهرالشريف في بناء الإنسان وتحصينه من معاول الهدم المتزاحمة، فالأزهر بقوة منهاجه أبان أن أوكار المفككين لوحدة الأمة من زاوية العقيدة أشبه ببيت العنكبوت “وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون” فظهر منهاج الأزهر في العقيدة منزها على أيدي علماء كبار كالعلامة السنوسي،والعلامة الحفني، والعلامة علي العدوي والدردير،والعلامة الملوي، والباجوري،والدسوقي،والمرزوقي، والأخضري، والسكتاني، والصاوي، واليوسي والعلامة علي القيرواني، والعلامة الزواوي، والعلامة الشاوي والعلامة الهدهدي.
أشار الأمين العام إلى أن المسار الثاني فهو مسار البناء الروحي والأخلاقي: وهو أصل تثبت به كرامة الإنسان مع الوجود كله من الذرة إلى المجرة، ولا أعرف زمانًا واجهت فيه الأخلاق والقيم تحديات كهذا الزمان الذي لا تخجل فيه بعض الفئات من التصريح بالشذوذ والعوج، وغير ذلك من الدعوات الهدامة التي تستهدف القيم والأخلاق والأسرة واللغة والعادات والتقاليد، وقد تجلى في الأزهر الشريف أيضا وهو يُلامس جوهر العلاقة بين العقيدة والسلوك والروح، فقد عني علماؤه ببناء الإنسان روحيا وسلوكيا منذ القدم عناية تكوين وتحصين،وذلك بتربية النفس وتهذيبها، فسلكوا منهج الإمام الجنيد والغزالي، والعز بن عبد السلام، وابن عطاء السكندري، والبلقيني، وابن أبي جمرة، وابن دقيق العيد، وابن سيد الناس،وابن الهمام، والقسطلاني،وابن حجرالعسقلاني،والسيوطي،وابن حجر الهيتمي، والعلامة أحمد زروق، والزرقاني، والدجوي،والمطيعي، والعلامة الإمام عبد الحليم محمود، والجعفري صالح، إلى الإمام الأكبر، مضيفًا أن ثالث مسارات بناء الإنسان: البناء العقلي والمعرفي: وتأتي صلته ببناء الإنسان من زاوية الوعي، والبناء الصحيح للعقل والتفكير درع واق في مواجهة أخطرتحديات الشرود عن ثوابت الدين الكلية ومقاصد الشريعة: وقد أولى علماء الأزهر الشريف بناء العقل عناية خاصة، لأنهم اعتبروا أن العقل أداة ضرورية لفهم الدين، والتمييز بين الحق والباطل، وقد ارتكز تكوينهم العقلي على أوتاد منطقية برهانية بمقدمات ونتائج رسخ لها السادة الأشاعرة، يقول العلامة الأشعري: “العقل لا يعارض النقل، بل هو آلة لفهمه”. ويقول: “بالعقل يُعرف الله، وبه يُدرك صدق الرسول”. ويقول العلامة الجويني (إمام الحرمين):“العقل أصل في معرفة الله”، ويقول الإمام الغزالي (العقل شرط في فهم النقل، فالمجنون لا يُخاطب، والسكران لا يُكلف).
وختم د. الجندي ببيان أن هذه المسارات يعقبها نتيجة حتمية مفادها أن (حماية الوعي من التردي والهذيان مرهون ببناء الإنسان، وأن بناء الإنسان كفيل بحماية الأوطان)، وتلك النتيجة أصبحت ضرورة مصيرية لا سيما في ظل أوضاع إقليمية صعبة، وعدو لا يتورع عن سفك دماء الأطفال والنساء والأبرياء وهدم الإنسان، وتوسيع حالة الصراع، وإدخال المنطقة في حالة من عدم الاستقرار، وما أحوجنا إلى بناء إنسان في ظل صناعة أجيال تتمتع بالعقيدة وتحافظ على القيم والأخلاق والمبادئ، أجيال قادرة على الإبداع والابتكار والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، أجيال تجسد العلامة ابن حيان والخوارزمي وابن الهيثم والإدريسي،والبتّاني، والرازي،والبيروني، والكندي،
مؤكدًا حرص الأزهر الشريف بقيادة وتوجيهات صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وبإشراف ومتابعة د.محمد الضويني، وكيل الأزهر عضو مجلس إدارة المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، على المساهمة في كل ما من شأنه أن يسهم في بناء الإنسان، وتحقيق مقاصد التشريع، وإدراك مقاصد الخلق، ونشدان تعاون إنساني عالمي راق، وعيش آمن مشترك، مليئ بروح المحبة والسلام.