“مرصد الأزهر”: الأسماء العملياتية لقوات الاحتلال .. رسائل ودلالات رمزية ودينية!
عندما يشن الاحتلال الصهيوني هجومًا، لا تقتصر العملية على إقلاع الطائرات وإطلاق الصواريخ وقصف الأهداف، بل تمتد لتشمل استخدامًا دقيقًا للغة العبرية في تسمية العمليات العسكرية، بهدف إيصال رسالة محددة، لتتحول هذه الأسماء، التي تبدو مجرد تفاصيل تقنية، إلى رموز عامة ورسائل واعية لليهود، بل وأحيانًا تصبح جزءًا لا يتجزأ من الحوار التاريخي والثقافي.
فعادة، تتذكر الشعوب عمليات دولها العسكرية بناءً على أسمائها ودلالاتها، مما يساعد على بقاء أحداثها في الذاكرة العامة لفترة طويلة، تخيل لو أن أسماء العمليات كانت تعتمد على تاريخ حدوثها فقط؛ لكان كل شيء مملًا وغير مؤثر!
عملية “الأسد الصاعد”: رسالة ودلالات توراتية
تُعد عملية “الأسد الصاعد” (עַם כְּלָבִיא) مثالًا واضحًا لاسم اختير بعناية فائقة، فهو يحمل معنى رمزيًا عميقًا مستوحى من سفر العدد، الإصحاح 23، الفقرة 24 التي تقول: “هوذا شعبٌ يقوم كأسد، ويرتفع كليثٍ، لا ينام حتى يأكل فريسة، ويشرب دم قتلى”. يستمد هذا الاسم إلهامه من نبوءة وبركة بلعام بن باعوراء، الرجل الصالح التور/اتي الذي أرسله بالاق ملك موآب ليلعن بني إسرائيل، لكنه وجد نفسه يباركهم ويصفهم بالأسد: شعب يقوم، ينهض، يبتكر، ويعمل بحزم دون خوف، فهو ملك الغابة لا يدافع فقط بل يهاجم، ويمسك بزمام المبادرة بشجاعة وقوة.
وفق هذا الإسقاط التوراتي المتعمد، يُنظر إلى الكيان الصهـيوني على أنه، عندما نهض من سباته ووجه ضربته الاستباقية لعدوه الإيراني، قد افترسه وأذاقه الويل، اغتالت إسرائيل قادة إيران، وضربت منشآتها النووية، وقصفت قواعد صواريخها الباليستية، وشربت من دماء قتلاها، وأجهزت على “الفريسة الإيرانية” وأنهت الحرب دون هوادة، تمامًا كما أرادت.
دلالة الاسم التوراتي وتطلعات الكيان
الرمزية القوية: يشير مسمى “الأسد” في كتب التوراة، القبالاه، والزوهر إلى القوة، الشجاعة، الشراسة، والهيمنة. تنبع هذه الرمزية من الوعي الجمعي اليهـودي المرتبط بمفاهيم التفوق، النهضة، الاختيار النوعي، والسيادة المطلقة بين الأمم، والقدرة الفائقة على تحقيق النصر في أي وقت، يعكس هذا التطلعات الصهيونية لشن المزيد من العمليات والاعتداءات العسكرية على جيرانها في المنطقة، بهدف تحقيق النبوءات التوراتية، ومنها إقامة “إسر/ائيل الكبرى” وتوسيع حدودها الجغرافية التي لم تُوضع بعد، ونشر الفوضى والخراب في بعض الدول لتحقيق السيادة المطلقة.
الاستناد إلى النبوءات التوراتية: إن استخدام هذا الاسم، الذي يحمل إشارة إلى نبوءات تتحدث عن انتصار بني إسرائيل على الموآبيين، لا يعكس فقط مبدأ الضربة الاستباقية المباغتة، بل يعزز البعد الديني لتلك الضربة العسكرية. كما يعكس هذا الاستخدام محاولة لتعزيز الروح المعنوية داخل الكيان، حيث يُعتبر الاسم بمثابة دعوة للمجتمع الداخلي إلى الوحدة والقوة ونبذ الخلافات في مواجهة التحديات المستقبلية.
كيف تُختار أسماء العمليات العسكرية الصهيونية؟
تُختار أسماء العمليات في قوات الاحتلال بواسطة فريق متخصص بالتنسيق مع جهات الاستخبارات والعمليات. يتم ذلك من قاعدة بيانات محددة مسبقًا، بناءً على اعتبارات عملياتية، واعية، ثقافية، ودبلوماسية، بهدف إيصال رسالة محددة وتجنب الكشف عن معلومات حساسة تتعلق بالعملية العسكرية.
آلية الاختيار:
1. الحفاظ على السرية: يجب ألا يشير الاسم إلى الهدف أو الموقع.
2. البساطة والرمزية: يجب أن يكون الاسم قصيرًا، سهل التذكر، ورمزيًا، بهدف سرعة الاستيعاب من قبل المجتمع الصهيوني.
3. القيم التوراتية والثقافة اليهودية: غالبًا ما يكون الاسم مستوحى من الكتاب المقدس، أو الشعر، أو الرموز اليهودية.
4. قاعدة أسماء موجودة: تحتفظ قوات الاحتلال بقاعدة بيانات لأسماء جاهزة مسبقًا.
وفي بعض الأحيان، يتغير اسم العملية العسكرية في اللحظة الأخيرة، وفقًا للسياق العام والسياسي داخل الكيان.
الهدف
بهذا يتضح أن اختيار أسماء العمليات العسكرية الصهيونية ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو عملية مدروسة بعناية فائقة تهدف إلى تحقيق أهداف متعددة تتجاوز الجانب العسكري البحت. فهي تعكس تطلعات الكيان، وتستخدم لتعزيز الروح المعنوية الداخلية، وتستخدم كأداة لنشر رسائل رمزية ودينية مستوحاة من نصوص توراتية. وهذه الأسماء، بقدر ما هي جزء من استراتيجية عسكرية، هي أيضًا جزء لا يتجزأ من السردية الثقافية والتاريخية التي يسعى الكيان لبنائها وترسيخها.
إذا ما نستطيع قوله هنا، أن فهم هذه الدلالات يتيح لنا رؤية أعمق للأبعاد الأيديولوجية والسياسية الكامنة وراء كل تحرك عسكري للكيان الصهـيوني.