ضمن الأسبوع الدعوي الثامن بالجامع الأزهر..ندوة (البحوث الإسلامية) تُبرز أثر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في ترسيخ الوَحدة والتكافل
- د. عبد الفتَّاح العواري: المؤاخاة ذابت فيها الفوارق وتلاشت العصبيات
- د. حمدي الهدهد: الهجرة النبويَّة تحوُّل شامل في البناء الإنساني والتأسيس الحضاري
- د. حسن يحيى: المؤاخاة قاعدة راسخة لبناء دولة الرسالة ومجتمع النصرة والتكافل
عقدت اللجنة العُليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلاميَّة، مساء أمس، ندوةً دِينيَّةً بالجامع الأزهر الشريف، تحت عنوان: (كالجسد الواحد.. المهاجرون والأنصار نموذجًا)، وذلك ضِمن فعاليَّات الأسبوع الدَّعوي الثامن، الذي تنظِّمه اللجنة تحت عنوان: (الهجرة النبويَّة.. تدبيرٌ إلهي وبُعْدٌ إنساني)، في إطار توجيهات فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف؛ بترسيخ دَور الأزهر في حَمْل رسالة الدعوة، وإحياء منهجه الأصيل في بثِّ الوعي الدِّيني المنضبط، وتعزيز حضوره الفاعل في البناء الفِكري والأخلاقي للمجتمع.
وتناولتِ الندوة -التي عُقِدت بعد صلاة المغرب بإشراف فضيلة أ.د. محمد الضويني، وكيل الأزهر، عضو مجلس إدارة منظمة خريجي الأزهر، وفضيلة أ.د. محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة- عددًا مِنَ المحاور المهمَّة المستمدَّة من دروس الهجرة النبويَّة؛ أبرزها: قيمة التآخي وأثرها في بناء الأوطان، ووثيقة المدينة ودَورها في تحقيق التعايش السلمي، بالإضافة إلى كيفيَّة معالجة الهجرة للتفاوت الطبقي داخل المجتمع الناشئ، وذلك من خلال استحضار النموذج الرَّاقي الذي قدَّمه النبي ﷺ في تأسيس مجتمع المدينة، القائم على التكافل والعدل واحترام الكرامة الإنسانيَّة.
وحاضر في الندوة كلٌّ مِن: أ.د. عبد الفتَّاح العواري، عضو مجمع البحوث الإسلاميَّة، وأ.د. حمدي الهدهد، عميد كليَّة الدراسات الإسلاميَّة والعربيَّة للبنات بالعاشر من رمضان، في حين أدار الندوة الدكتور حسن يحيى، الأمين العام المساعد للجنة العليا لشئون الدعوة.
وفي كلمته، قال أ.د. عبد الفتَّاح العواري: إنَّ المهاجرين والأنصار ضربوا أروع المثل في تحقيق الأخوَّة الصادقة، تلك التي اتسمت بصدق النيَّة، وحُسن الطويَّة، وقامت على الحبِّ في الله، وكانت عوامل قيامها من منطلقٍ إيمانيٍّ أصيل، ويقينٍ صادق، مشيرًا إلى أنَّ هذا الدِّين جاء فوجد العرب «طرائقَ قِدَدًا» وقبائلَ شَتَّى؛ فوَحَّد بينهم، وجمع كلمتهم تحت راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وقضى على العصبيَّات، ونطق بذلك أسعد الخلق ﷺ، كما جاء في الحديث: «الحمدُ لله الذي أذهبَ عنكم عُبيَّةَ الجاهليَّةِ وتكبُّرَها؛ إنما هي أخوَّةُ الإسلام».
وبيَّن الدكتور العواري أنَّ أخوَّة الإسلام هي الأخوَّة الصادقة التي تحدَّث عنها ربنا في قوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وكل نسبٍ ينقطع إلا نسب العقيدة، مستشهدًا بقول النبي ﷺ في حقِّ سيدنا سلمان: «سلمان منَّا أهل البيت»، وقول سيدنا عمر رضي الله: «سيُّدُنا أعتق سيدَنا»، متحدِّثًا بذلك عن سيدنا أبي بكرٍ حين أعتق سيدنا بلالًا، فالرابطة الحقَّة التي عَمِل عليها هذا الدين هي رابطة الإسلام، وقد انصهرت في بوتقتها سائر الأعراق والأجناس.
من جانبه، أكَّد أ.د. حمدي الهدهد أنَّ قوَّة هذه الأمَّة في وَحدة المنتسبين إليها، ولا صلاح لها إلا بصلاح أفرادها، ولا صلاح للفرد إلا بصلاح قلبه، ولا صلاح للقلب إلا بذِكر الله عز وجل، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، مشيرًا إلى أنَّ الهجرة في معناها الحقيقي الدقيق هي نقطة بداية وتحوُّل تام من حالٍ إلى حال؛ إذ كانت الدعوة في مكة مضطهَدةً، محاصَرة، يُنكَّل بكلِّ مَن يدعو إليها أو ينتمي لها، فانتقل النبي ﷺ وأصحابه إلى المدينة المنورة ليُمهِّد لتمكين دِين الله في الأرض كلّها، وكان أوّل ما أراده النبي ﷺ هو بناء المجتمع، لا المجتمع المسلم فحسب، بل المجتمع الإنساني بأسْره.
ولفت الدكتور الهدهد إلى قول نبينا محمد ﷺ عند دخوله المدينة: «والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، ألا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»، مبيِّنًا أنَّ النبي ﷺ كأنه يريد أن يُؤسِّس لبداية طريق الوَحدة، وأنَّ طريق الوحدة لا يبدأ إلا بتفعيل اسم الله (السلام) بيننا، أن مِن علامات الساعة أن يُصبح إفشاء السلام غريبًا بين الناس، حتى إنك إذا سلَّمت على أحد، نظر إليك قبل أن يرد، ليتأكَّد: هل يعرفك؟ هل قابلك من قبل؟! وقد غاب الأصل، وهو أن تسلِّم على مَن عرفتَ ومن لم تعرف.
وفي ختام الندوة، أكَّد الدكتور حسن يحيى أنَّ الأخوة التي عمل النبيُّ ﷺ على ترسيخها كقيمة اجتماعيّة، تنبثق عنها قيمٌ أخرى؛ فقيمة الإيثار منبثقة من قيمة الأخوَّة، وقيمة الفداء والتضحية منبثقة من قيمة الأخوة أيضًا، وكذلك قيمة النصر والنُّصرة، موضِّحًا أنَّ رسول الله ﷺ أسَّس دولته على المؤاخاة بين الأوس والخزرج، وبين الأنصار والمهاجرين؛ لأنَّ هذه الدولة منوطٌ بها أن تنشر رسالة، وأن تحقِّق هدفًا، وأن تصل أرضًا بسماء، وتصل دنيا بآخرة، وهذه الأهداف العظيمة لا يمكن أن تتحقق إلا بمجتمع متماسك متآخٍ.
وتُواصِل اللجنة العُليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلاميَّة تنفيذ فعاليَّات الأسبوع الدعوي الثامن بالجامع الأزهر، في إطار مشروع دعوي متكامل، يستلهم مِنَ الهجرة النبويَّة مقوِّمات البناء الحضاري، ويستهدف ترسيخ القِيَم الإيمانيَّة والإنسانيَّة في الوجدان العام، مِن خلال لقاءات عِلمية تُفعِّل دَور الخطاب الأزهري الوسطي في معالجة قضايا الواقع، وتعزيز الوعي الدِّيني المنضبط، بما يجسِّد الدور المتجدِّد للأزهر الشريف في توجيه الفِكر، وتهذيب السلوك، وبناء الإنسان.



