ضِمن الأسبوع الدعوي الثامن بالجامع الأزهر.. الندوة الرابعة لـ (البحوث الإسلامية) تسلِّط الضوء على إسهامات المرأة في الهجرة النبويَّة وبناء الأمَّة
د. إبراهيم الهدهد: الإسلام أكَّد الدَّور المحوري للمرأة في إعداد الأجيال وصناعة الحضارة
د. محمود الهواري: الهجرة أظهرت عظمة المرأة المسلمة في الثبات وصناعة السكينة
د.حسن يحيى: استلهام دروس الهجرة ضرورة لتجديد وعي المرأة برسالتها الحضاريَّة
عقدت اللجنة العُليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلاميَّة، مساء أمس، الندوةَ الدِّينيَّة الرابعة بالجامع الأزهر الشريف، تحت عنوان (المرأة في الهجرة.. أدوار مشرِّفة وتضحيات خالدة)، وذلك ضِمن فعاليَّات الأسبوع الدَّعوي الثامن، الذي تنظِّمه اللجنة تحت عنوان (الهجرة النبويَّة.. تدبيرٌ إلهي وبُعْدٌ إنساني)، في إطار توجيهات فضيلة الإمام الأكبر أ.د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف؛ بترسيخ دَور الأزهر في حَمْل رسالة الدعوة، وإحياء منهجه الأصيل في بثِّ الوعي الدِّيني المنضبط، وتعزيز حضوره الفاعل في البناء الفِكري والأخلاقي للمجتمع.
وحاضر في النَّدوة -التي أُقيمَت فعاليَّاتها بعد صلاة المغرب بإشراف فضيلة أ.د. محمد الضويني، وكيل الأزهر، عضو مجلس منظمة خريجي الأزهر، وفضيلة أ.د. محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلاميَّة- كلٌّ مِن: أ.د. إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلاميَّة، المستشار العلمي لمنظمة خريجي الأزهر، والدكتور محمود الهوَّاري، الأمين العام المساعد للدَّعوة والإعلام الدِّيني، والدكتور حسن يحيى، الأمين العام المساعد للجنة العُليا لشئون الدعوة.
وفي كلمته، قال الدكتور إبراهيم الهدهد: إنَّ مقولة: «المرأة نصف المجتمع» وإن كانت شائعة، فهي تنظر إلى المرأة من باب العدد، أمَّا المفهوم الإسلامي فيرى أنَّ المرأة هي المجتمع كله، من حيث الإعداد والتهيئة؛ ليؤِّكد الدَّور المحوري للمرأة في بناء الأجيال وصياغة مستقبَل الأمَّة، لأنَّ دَورها يتجاوز مجرَّد المكانة العدديَّة، ليشمل تأهيل الأفراد وصناعة الحضارات، ولهذا السبب تحديدًا، كان أولَّ ما وجهت إليه سهام الأعداء في محاولاتهم للنَّيل من الحضارة الإسلاميَّة هو الأفكار المتعلِّقة بدَور المرأة ومكانتها، فبإدراك عميق لأهمية المرأة، سعوا إلى خلخلة أساس المجتمع، من خلال استهداف ركيزته الأساسية.
وأشار د. الهدهد إلى أنَّ جميع الدعوات التي ادَّعت مناصرة المرأة، لم تكًن في حقيقتها سوى محاولة لصرفها عن دَورها الجوهري في إعداد جيل مؤهَّل لقيادة المجتمع وبناء الحضارة؛ لأنَّ المرأة في التاريخ الإسلامي كانت فاعلة في المجالات كافَّة، ويشهد تاريخنا الإسلامي على ذلك بوجود العديد من النساء المحدثات، مع ما يتطلَّبه باب الحديث الشريف من ملازمة ومواصلة للعِلم، مشدِّدًا على أنَّ دَور المرأة في الدعوة الإسلاميَّة -عبر تاريخها- لم يكُن هامشيًّا، بل كان محوريًّا، وتتجلَّى أروع صور هذا الدور في سيرة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فلقد كانت خير سند وعون لرسول الله ﷺ في أحلك الظروف؛ ممَّا يؤكِّد أنَّ قوة الدعوات ترتكز على إيمان وثبات رجالاتها ونسائها على حدٍّ سواء.
من جانبه، أوضح الدكتور محمد الهوَّاري أنَّ مَن يُمعِنُ النَّظر في تفاصيل الهجرة النبويَّة المباركة، يدرك جليًّا الدَّور المحوري والمهم الذي قامت به المرأة في هذه الرحلة التاريخية، ويتجلَّى هذا الدور بوضوح في شخصيَّة السيدة أسماء بنت أبي بكر (ذات النطاقين)، والتاريخ الإسلامي يذكر ما قامت به من موقف مشرِّف في مؤازرة النبي ﷺ في هذه الرحلة، تدل على ثباتها وقوتها، وكذا دَور السيِّدة خديجة رضي الله عنها ، التي وفَّرت جوًّا من الهدوء والسكينة لسيدنا رسول الله ﷺ؛ ليتمكَّن مِن تدبير أمره والتخطيط للهجرة في جوٍّ مِنَ الطمأنينة والسكون، وهو درس لكل المرأة في هذه الأيام لأت تكون داعية إلى السكون والهدوء في بيتها.
وشدَّد د. الهوَّاري على أنَّ المرأة في زماننا هذا بحاجة ماسَّة لاستخلاص العِبَر من النماذج النسائية المشرفة في الهجرة النبوية، فمع تزايد الدعوات التي تسعى لتفكيك بنية الأسرة، والتي استجاب لها كثيرون، بات الخطر يحدق بالمجتمع من كل جانب، ومن الواجب على المرأة أن تكون قدوة لأبنائها ومصدر رشد وخير لهم، فمن خلال غرس القيم النبيلة وتقديم النموذج العملي في الرشد والحكمة، تستطيع المرأة أن تحصِّن أسرتها وأجيالها المقبلة؛ لتصبح دِعامةً صُلبةً في وجه التحديات المعاصرة، وتُسهِم بفاعليَّة في بناء مجتمع متماسك وقوي.
في حين أكَّد الدكتور حسن يحيى أنَّ دراسة دَور المرأة في الهجرة النبويَّة تُعدُّ ضرورة ملحَّة؛ لِمَا لها من أثر بالغ في صياغة رؤية إسلاميَّة حول دور المرأة، لأنَّها لم تكُن عنصرًا ثانويًّا في الهجرة النبويَّة؛ بل هي جزء من الحضارة الإسلاميَّة التي طالما أدهشت العالَم برُقيِّها وتحضُّرها، مبيِّنا أن استعادة المعاني العميقة التي حملتها الهجرة النبويَّة -فيما يتعلَّق بدَور المرأة – كفيلةٌ ببناء جيل من النساء القادرات على أداء أدوارهنَّ على أكمل وجه، ليقدمن إسهاماتٍ حقيقيَّةً في بناء المجتمع، بعيدًا عن المظاهر الزائفة، وهو أمر بات ضروريًّا في ظلِّ زمن انصرفت فيه بعض النساء إلى الأمور الشكليَّة والسطحيَّة، بعيدًا عن جوهر دَورهنَّ المهم والفاعل في الحياة.
وتُواصِل اللجنة العُليا للدعوة بمجمع البحوث الإسلاميَّة تنفيذ فعاليَّات الأسبوع الدعوي الثامن بالجامع الأزهر، في إطار مشروع دعوي متكامل، يستلهم مِنَ الهجرة النبويَّة مقوِّمات البناء الحضاري، ويستهدف ترسيخ القِيَم الإيمانيَّة والإنسانيَّة في الوجدان العام، مِن خلال لقاءات عِلمية تُفعِّل دَور الخطاب الأزهري الوسطي في معالجة قضايا الواقع، وتعزيز الوعي الدِّيني المنضبط، بما يجسِّد الدور المتجدِّد للأزهر الشريف في توجيه الفِكر، وتهذيب السلوك، وبناء الإنسان.