ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر: الإيمان والتوكل أساس عز المسلمين ونصرهم
عقد الجامع الأزهر لقاءه الأسبوعي لملتقى السيرة النبوية، تحت عنوان: “التوفيق الإلهي بين الاغترار بالأسباب والثقة في نصر الله: غزوة حنين نموذجًا”.
شهد اللقاء حضور كل من الأستاذ الدكتور السيد بلاط، أستاذ ورئيس قسم التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر سابقًا، والأستاذ الدكتور نادي عبد الله محمد، أستاذ الحديث وعلومه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة، وأدار الحوار الشيخ إبراهيم حلس، مدير إدارة الشؤون الدينية بالجامع الأزهر.
أكد فضيلة الدكتور السيد بلاط أن الله سبحانه وتعالى يكره العجب والغرور، مستشهدًا بقوله تعالى: “إن الله لا يحب من كان مختالًا فخورًا”، ومبينًا أن هذا المعنى تكرر في مواضع عديدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وأن مصير المتكبر هو الخذلان، وأشار إلى أن اغترار جيش المسلمين في غزوة حنين بكثرتهم أدى إلى هزيمة أولية في بداية المعركة، فلم تنفعهم الأسباب المادية من عدة وعتاد، وقد صور القرآن الكريم هذه الواقعة ليعطي المسلمين درسًا مهمًا في عدم اعتقاد أن الأسباب المادية وحدها هي التي تجلب النصر، قال تعالى: “لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُم شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ”.، موضحا أن مطلع الآية يبين أن النصر من عند الله وحده، وأن الأسباب المادية التي كانت سببًا في غرورهم كادت أن تكون سببًا في هزيمتهم.
وأوضح الدكتور السيد بلاط أن غزوة حنين تقدم دروسًا بالغة الأهمية، فهي تعلمنا أن النصر والنجاح يتطلبان الأخذ بالأسباب مع حسن التوكل والثقة بالله، “وما النصر إلا من عند الله”، وهذا هو السبب الرئيس في نصر المسلمين في كل الغزوات التي خاضوها ضد أعداء الإسلام، هذا المبدأ الذي سار عليه المسلمون يفسر كيف انتصر جيش المسلمين في غزوة مؤتة، على الرغم من قلة عددهم بفارق كبير عن جيش عدوهم، وهو ما دفع عبد الله بن رواحة للقول: “إنا لا نقاتل القوم بعدد ولا بكثرة، إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به”، وبالتالي، فإن مفتاح النصر للمسلمين هو حسن الإيمان بالله وتطبيق منهجه على النحو الصحيح “إن تنصروا الله ينصركم”، مضيفا أن هذا المبدأ يزرع في المسلمين عدم الخوف من عدوهم مهما كانت عدته وعتاده، لأن ثقتهم بربهم وحسن توكلهم عليه يجعلهم الأعلى، فالقِلة التي تعتمد على ربها يمكن أن تنتصر، في حين أن الكثرة المعتمدة على الأسباب المادية وحدها قد لا تحقق النصر.
من جانبه، أوضح الدكتور نادي عبد الله أن القرآن الكريم يقص علينا أحوال الأمم السابقة لنتعلم من الأحداث التي مرت بها ونعتبر منها، مشيرا إلى غزوة “أحد” حيث كانت الهزيمة حتمية بسبب تخلف المسلمين عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ليكون ذلك درسًا لنا، ثم تحول بعد ذلك إلى نصر، نتيجة إدراكهم أن عليهم الاعتماد والتوكل على الله وحده، وهذا المشهد تكرر في واقعة “بلاط الشهداء”؛ فبعد الانتصار الأولي للمسلمين، انشغلوا بجمع الغنائم، مما مكن الأعداء من الانقضاض عليهم، ولو نظر المسلمون في التاريخ نظرة اعتبار لما وقعوا في هذا الخطأ، وعلينا أن نتعلم من هذه القصص التي أراد ربنا أن يضمنها لأجلّ كتاب وهو القرآن الكريم، لنضعها نصب أعيننا ونظل نتعلم منها، كي لا نكرر الأخطاء التي وقع فيها من قبلنا، وهذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى كرم هذه الأمة ورفع شأنها.
وأضاف فضيلة الدكتور نادي عبد الله أن اغترار المسلمين بالأسباب المادية من عدة وعتاد وكثرة كان سببًا في هزيمة أولية في غزوة حنين “وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ”، وهي نتيجة لاعتمادهم على الأسباب المادية فقط، ورغم كون هذه الأسباب مهمة لتحقيق النصر، إلا أنها تتطلب أن يكون المسلم متوكلًا على الله حسن التوكل، وهو المنهج الرباني لتحقيق النصر الذي وعد به “وكان حقًا علينا نصر المؤمنين”، لذا، علينا ألا نغفل الأسباب المادية من عدة وعتاد “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ”، لكن بجانب هذه الأسباب يجب أن ننصر دين الله فينا، وأن نجعل حياتنا كلها لله سبحانه وتعالى، فإذا ما كان هذا كان النصر حليفًا لنا لا محالة.
وبين فضيلة الدكتور نادي عبد الله أن هذا ليس كلامًا تنظيريًا، بل هو منهج إذا ما سرنا عليه كانت لنا الغلبة في كل شيء، وهو ما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: “لا يهزم جيش فيه القعقاع بن عمرو” بسبب قوة إيمانه وسلامة عقيدته، مشيرا إلى أن القلة المؤمنة يمكن أن تحقق النصر، بينما الكثرة وحدها لا تجلبه، وإنما سبب النصر الحقيقي هو التوفيق الإلهي، بقوة إيمانهم وحسن توكلهم عليه، وإلا لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: “بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن”، وهذا دليل على أن النصر من عند الله متى نصرنا الله فينا.
كما أوضح فضيلة الشيخ إبراهيم حلس، مدير إدارة الشئون الدينية بالجامع الأزهر، أن السلاح الحقيقي الذي يجب أن يتسلح به المسلمون هو الإيمان، وهو السلاح الذي كان سببًا في نصر المسلمين عبر تاريخهم الطويل. وما حدث لهم من مراحل ضعف وتراجع إنما كان نتيجة لاعتمادهم على الأسباب المادية فقط. وعلينا أن نراجع أنفسنا إذا كنا نريد أن نحقق النصر في كل شيء في حياتنا.
يُذكر أن ملتقى “السيرة النبوية” الأسبوعي يُعقد الأربعاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، وإشراف د. عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري بالجامع الأزهر، ود. هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، بهدف استعراض حياة النبي محمد ﷺ، وإلقاء الضوء على المعالم الشريفة في هذه السيرة العطرة، وبيان كيفية نشأته وكيف كان يتعامل مع الناس وكيف كان يدبر شؤون الأمة، للوقوف على هذه المعاني الشريف لنستفيد بها في حياتنا.