خطيب الجامع الأزهر: وصايا لقمان منهج قرآني متكامل لبناء الشخصية والتي تتطلب إرادة قوية وعزيمة ثابتة

وصية “عدم الشرك بالله” هي الأساس الذي تبنى عليه جميع الأعمال الصالحة، بينما تعد وصية “الإحسان إلى الوالدين” أعظم تطبيقاتها العملية

الضمير الإنساني اليقظ، يرفض الظلم لأنه على يقين بأن كل عمل، صغيرا كان أم كبيرا سيحاسب عليه أمام الله

ما يفعله الصهاينة بأهل غزة ليس مجرد جريمة ضد الإنسانية فحسب، بل هو إفساد وبغي في الأرض

ألقى خطبة اليوم بالجامع الأزهر فضيلة الدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، والتي دار موضوعها حول “الدروس المستفادة من سورة لقمان”

قال فضيلة الدكتور هاني عودة إن المجتمع يحتاج بشدة إلى تطبيق الرسائل والدروس التي وردت في القرآن الكريم، وعلى وجه الخصوص تلك المستوحاة من سورة لقمان، مشددا على أهمية غرس هذه القيم في نفوس الأبناء وتطبيقها في جميع جوانب الحياة، من أجل بناء مجتمع قوي ومتماسك يقتدي بهدي القرآن وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما تحمل وصايا لقمان الحكيم لابنه منافع عظيمة للفرد والمجتمع، باعتبارها زاداً لتحقيق مرتبة الإحسان التي لا تتحقق إلا بالتمسك بالقرآن والسنة، حيث كان في مقدمة هذه الوصايا: “عدم الشرك بالله” و “الإحسان إلى الوالدين”، فوصية “عدم الشرك بالله” لا تقف عند حدود العقيدة النظرية، بل هي الأساس الذي تبنى عليه جميع الأعمال الصالحة، بينما تأتي وصية “الإحسان إلى الوالدين” لتكون أحد أعظم تطبيقاتها العملية.

وأكد فضيلة الدكتور هاني عودة على أن الشريعة الإسلامية تُحمل الآباء مسؤولية تربية أبنائهم، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “كلُّكُمْ راعٍ وكلُّكُمْ مسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”، لأن فطرة الأبوة قائمة على الحب والرحمة، لكن النصح الديني للأبناء لا يتوفر عند جميع الآباء، مستدلاً بآيات من سورة لقمان التي تبرز وصايا لقمان لابنه، والتي توجه الآباء والأمهات بالابتعاد عن الانشغال بملذات الحياة الدنيا وترك تربية الأبناء، وأن يضعوا تربيتهم على رأس أولوياتهم، ليُنشِئوا جيلاً صالحاً قادراً على تحمل المسؤولية في المستقبل.

وبين خطيب الجامع الأزهر، أن وصايا لقمان الحكيم تعد بمثابة درع حصين لحماية الأسرة من المخاطر وخاصة تلك المخاطر الناتجة عن التطور التكنولوجي ونمو استخدام مواقع التواصل، فبينما قد تؤدي هذه الوسائل إلى نشر الموبقات وتشتيت الأسر، تذكرنا وصية لقمان لابنه بضرورة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، كمنهجٍ تربوي يوجه الآباء والأمهات للقيام بدورهم في توجيه أبنائهم وتحصينهم، كما أن إهمال هذه المسؤولية يترك الأبناء عرضة للتيارات المنحرفة، والتي تستغل هذه المواقع في النرويج لأفكارها، إضافة إلى تأثيرها السلبي الذي يهدد استقرار الأسرة، ما يجعل من وصايا لقمان الحكيم منهجا لحماية الأسرة وقيمها، وليتحقق ذلك؛ يجب على الأسرة التربية السليمة للأبناء منذ صغرهم، بأن تكون تربية دينية قويمة.

وأشار خطيب الجامع الأزهر، إلى أن من بين الوصايا الهامة التي جاءت على لسان لقمان الحكيم في القرآن الكريم هي “إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وهي الركن الأساسي الذي يضبط حياة الفرد والمجتمع ككل، وقد جاءت هذه الوصية في قوله تعالى: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ على مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذلك مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾، وتبرز الآية أن هذه الوصايا ليست خيارات سهلة، بل هي “مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ”، أي أنها من الأمور التي تتطلب إرادة قوية وعزيمة ثابتة، وهو ما يؤكد عِظم هذه الوصايا في بناء الشخصية المؤمنة المتكاملة، مبينا أن من بين الوصايا الهامه التي جاءت أيضا على لسان لقمان الحكيم: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾، وتكشف هذه الوصية أن الكبر ليس مجرد خطأ سلوكي، بل هي تضخم للذات لدرجة منازعة الخالق في صفة الكبرياء، والله، بصفته الحق المطلق، لا يحب من يتناقض مع حقيقة وجوده، وهي العبودية والتواضع، ولذلك فإن الكبر يعد من أكبر الذنوب لأنه إنكار لمكانة العبد الحقيقية أمام ربه، كما تعد هذه الوصية بمثابة درس يهدف إلى تهذيب الروح قبل تهذيب السلوك.

وأضاف خطيب الجامع الأزهر من بين وصايا لقمان الحكيم لابنه التي شدد عليها: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾، في توجيه للبعد عن الظلم والإفساد في الأرض، لأن هذه السلوكيات تتنافي مع الغاية النبيلة لاستخلاف الإنسان، حيث تزرع هذه الوصية في نفس المؤمن قناعة راسخة بأن لا شيء يضيع عند الله، كما تمنحه حصانة أخلاقية، فلا يغريه الظلم بسبب ضعف الآخرين أو غياب السلطة، لأنه يعلم أن هناك سلطة عليا تراقب وتحاسب، كما تمثل هذه الوصية دعوة إلى تربية الضمير الإنساني على أساس اليقين بالعدل الإلهي، مما يجعل الفرد قادراً على مقاومة الانحراف والظلم من داخله، حتى وإن لم يكن هناك رادع خارجي.

وفي ختام الخطبة، دعا خطيب الجامع الأزهر إلى اليقين بأن ما يفعله الصهاينة بحق أهل غزة من قتل وهدم للبيوت وتشريد وتجويع، عاقبته وخيمة عند الله عز وجل، لأن هذا الظلم ليس مجرد جريمة ضد الإنسانية فحسب، بل هو إفساد في الأرض، وأن الله تعالى لا يرضى بالفساد ولا بالظالمين، لأن من صفاته العدل والمنتقم، لذلك لن يترك حقا يضيع، وأن آهات المظلومين ودماء الشهداء لن تذهب سدى، بل ستكون شاهداً عليهم يوم القيامة.

زر الذهاب إلى الأعلى