رئيس جامعة الأزهر الأسبق: النبي ﷺ كان نبيا قبل خلق آدم وسيادته تمتد ليوم القيامة

واصل الجامع الأزهر سلسلة ندواته التي ينظمها بمناسبة الاحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت ندوة اليوم بعنوان : “التربية الربانية لرسول الإنسانية”، بحضور فضيلة أ.د. إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، حيث تناول فيها الجوانب التربوية العظيمة في حياة النبي ﷺ، وكيف كانت سيرته مصدرا للإلهام والقدوة في كل جوانب الحياة.
أكد فضيلة الدكتور إبراهيم الهدهد أن نبوة سيدنا محمد ﷺ كانت سابقة لخلق آدم عليه السلام، ويستدل على ذلك بحديث النبي ﷺ حين سئل: “متى كنت نبياً؟” فأجاب ﷺ: “كنت نبيا وآدم بين الرّوح والجسد، وهذا يشير إلى أن النبي ﷺ هو أول من أخذ منه الميثاق من بني آدم ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾، كما أن ترتيب ذكر الأنبياء في الآية، وتقديم نبينا ﷺ على أولي العزم من الرسل، يظهر مكانة نبينا ﷺ وقدره العظيم، هذه العظمة تتجلى في حقيقة أن النبي ﷺ هو جامع الكمالات النبوية، وقد بين ﷺ مكانته ومنزلته العظيمة عند ربه سبحانه وتعالى عندما قال: “أنا سيد ولد آدم على الله ولا فخر”، وكلمة “ولا فخر” أي أن النبي ﷺ لا يقول ذلك من باب الافتخار وإنما يبين منزلته عند ربه، كما أنه ﷺ لا تقتصر سيادته على البشر في الدنيا فقط، بل تمتد إلى يوم القيامة، فهو أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول من يدخل الجنة، وهذه الأسبقية في المواقف الكبرى تثبت سيادته على جميع الخلق.
وأوضح فضيلة الدكتور إبراهيم الهدهد أن الشياطين كانوا قبل ميلاد النبي ﷺ يجلسون في أماكن مخصصة من السماء لاستراق السمع، ولكن بعد مولده صلى الله عليه وسلم تغير الأمر، ﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا﴾، حيث تبين هذه الآية أن السماء أصبحت مليئة بالحرس الشديد والشهب التي تحرق كل من يحاول الاقتراب منها، وهذا الحماية كانت بمثابة إعلان إلهي لميلاد النبي ﷺ وبداية الرسالة التي ستنير العالم وتمنع الشياطين من الوصول إلى أخبار السماء، لتكون دليلًا على عظمة ميلاده ﷺ، الذي جاء مولده رحمة ونور للعالمين.
وأضاف فضيلة الدكتور إبراهيم الهدهد، إن قول الحق سبحانه وتعالى: “إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” يحمل في طياته دلالات عميقة على عظمة نبينا الكريم ﷺ، كما تشير هذه الآية إلى أن الله وملائكته يصلون على النبي ﷺ منذ الأزل، وهو ما يعد دليلا قاطعا على مكانته الرفيعة التي فاقت كل المخلوقات، كما لفت فضيلته إلى أن إقران السلام بالصلاة في الآية، “صلوا عليه وسلموا تسليما”، يعكس أن السلام لا يكون إلا على الأحياء، مما يثبت أن النبي حي في قبره ويستقبل سلام أمته في كل وقت وحين، الأمر الذي يؤكد استمرار عظمته في نفوس المسلمين، وهذا رد مسبق من الحق سبحانه وتعالى، على من ينكر حياة النبي محمد ﷺ في البرزخ، كما أن النبي ﷺ نال رعاية خاصة من ربه سبحانه وتعالى لأنه رحمة من الله لكل بني الإنسان، وهذه الخصوصية من دلائل العظمة والمكانة الرفيعة التي منحها المولى سبحانه وتعالى لخاتم أنبيائه ﷺ.
وذكر فضيلة الدكتور إبراهيم، أن النبي ﷺ رسولا للإنسانية كلها “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” وهي خاصية للنبي ﷺ عن سائر الأنبياء والمرسلين، وهو ما يمثل جوهر رسالته التي تجاوزت الحدود الجغرافية والثقافية لتشمل كل زمان ومكان، فبينما كانت رسالات الأنبياء السابقين محصورة في أقوامهم وزمانهم، جاءت رسالة النبي محمد ﷺ لتكون خاتمة الرسالات السماوية، حاملة قيما إنسانية عالمية مثل العدل، الرحمة، والمساواة، فمن خلال أخلاقه وسيرته العطرة ﷺ علم البشرية كلها كيف تتعايش بسلام واحترام متبادل، ففي المدينة المنورة، وضع دستورا فريدا ينظم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، مؤكدا على حرية الاعتقاد والتعايش السلمي.
جدير بالذكر أن هذه الندوة تأتي في سياق سلسلة من الفعاليات التي ينظمها الجامع الأزهر الشريف احتفاء بذكرى ميلاد النبي محمد ﷺ، بهدف ترسيخ أخلاق النبي الكريم في نفوس المسلمين، وتاكيدا على أن ميلاد النبي ﷺ ليس مجرد ذكرى عابرة، بل هو مناسبة لتجديد العهد بالاقتداء بسيرته ﷺ، ونشر القيم التي تدعو إلى الرحمة، والتسامح، والاعتدال.
يأتي ذلك وفق توجيهات فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب شيخ الأزهر، وباعتماد فضيلة أ.د محمد الضويني وكيل الأزهر، وبإشراف أ.د عبد المنعم فؤاد المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري بالجامع الأزهر، ود. هاني عودة مدير عام الجامع الأزهر.

زر الذهاب إلى الأعلى