رئيس منظمة خريجي الأزهر في ختام الأسبوع الدعوي للأزهر: الاحتفال بميلاد النبي ﷺ يجب أن يكون فرصة لتجديد العهد على الاقتداء بسيرته، وليس فقط بالاحتفالات التقليدية

  • الأمة اليوم، وبعد مرور قرابة خمسة عشر قرنًا على ميلاد النبي الكريم، تعاني من انحراف وخلل عميق في منظومتها الأخلاقية والقيم، بسبب بعدها عن المنهج النبوي

اختتم الأزهر الشريف فعاليات الأسبوع الدعوي الحادي عشر للأزهر الشريف، الذي نظمته اللجنة العليا للدعوة بالتعاون مع الجامع الأزهر تحت شعار “سيرة ميلاد وبناء أمجاد”، بندوة حول “وأجب الأمة تجاه رسول الله ﷺ “، بحضور اللقاء فضيلة أ.د/ عباس شومان، رئيس المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، وفضيلة الدكتور حسن يحيى، أمين اللجنة العليا للدعوة بالأزهر الشريف.

في بداية الندوة أكد فضيلة الدكتور عباس شومان، أن مهمة النبي ﷺ تعد من أصعب وأعظم المهام، لأنها جاءت لأمة كانت تعيش في جاهلية وظلام شامل، فقد كانت الموازين فيها منقلبة، والقوي يأكل الضعيف، حيث كانت تحكمها قوانين الغابة، كما كانت العادات الاجتماعية فيها متوحشة، فكانوا يدفنون البنات وهن على قيد الحياة بلا ذنب، وكان الاقتصاد قائماً على الربا، مما تسبب في حروب طويلة وفساد منتشر في كل جوانب الحياة، وكانت دعوته ﷺ بمثابة شعاع نور، جاء ليخرج هذه الأمة من ظلمات الجهل إلى نور الحق والعدل والرحمة.

وأوضح فضيلة الدكتور عباس شومان، أن رسالة النبي محمد ﷺ لم تكن مقتصرة على قومه فقط، بل كانت عالمية وشاملة، موجهة للناس كافة في كل زمان ومكان، وهذا الأمر يتطلب جهدًا عظيمًا، خاصة في زمن لم تكن فيه وسائل الاتصال والنقل متاحة، مما يزيد من مشقة نشر الدعوة، مبينَا أن النبي ﷺ بتوفيق من الله وعون من الصحابة الكرام، استطاع في مدة لا تتجاوز ربع قرن أن ينشر الإسلام على نطاق واسع، وكانت هذه مهمة شبه مستحيلة لولا العون الإلهي والدعم من الصحابة الذين آمنوا به ودافعوا عن رسالته ﷺ، لقد كانوا خير عون له في تحقيق هذه المعجزة، بتحويل أمة من الظلام إلى النور، ونشر قيم الإسلام السامية في مجتمع كان يعاني من الانحطاط.

وأضاف فضيلة الدكتور عباس شومان، أن النبي ﷺ كان نموذجًا فريدًا في التواضع، حيث كان يجلس بين أصحابه دون أن يتميز عنهم، مما يجعل من الصعب التفريق بينه وبينهم لمن لا يعرفه، هذا التواضع من النبي ﷺ لم يكن مجرد صفة شخصية، بل كان درسًا عمليًا في أهمية الجماعة المخلصة، ويظهر هذا المنهج النبوي أن الجماعة، عندما تكون مخلصة ومتحابة، تصبح كأنها رجل واحد، يذوب فيها الفرد في سبيل المصلحة المشتركة، لقد كان منهج النبي ﷺ في تربية أصحابه يهدف إلى بناء هذا التماسك الفريد، حيث غرس فيهم القيم والأخلاق التي جعلتهم يتطابقون مع صفاته وأفعاله، مما جعلهم جميعًا يمثلون الصورة الحقيقية للإسلام.

وبين فضيلة الدكتور عباس شومان، أن الأمة الإسلامية اليوم، وبعد مرور قرابة خمسة عشر قرنًا على ميلاد النبي الكريم ﷺ، تعاني من انحراف وخلل عميق في منظومتها الأخلاقية والقيم، بسبب بعدها عن المنهج النبوي الشريف، وما تعانيه المجتمعات اليوم من انتشار الظلم، وباتت تهدر الحقوق، وساد التكاسل، وهو ما أدى إلى هدم القيم الأساسية للمجتمع، مشيرًا إلى خطورة الأصوات التي تنكر أصول الدين وتستهزئ بها، مدعية أنها بذلك تحقق “التنوير”، فنرى من ينكر تحريم الخمر، ويدعو إلى التبرج، بل ويتجاوز ذلك إلى إنكار معجزات مثل رحلة الإسراء والمعراج، في محاولة للتشكيك في ثوابت الدين، وهذه المحاولات ليست إلا هدمًا لقيم الأمة وروحها، مبينا أن إحياء ذكرى ميلاد النبي ﷺ الحقيقية يكون بالاقتداء به، والتمسك بتعاليمه التي هي صمام الأمان لأمتنا، كما أن الاقتداء بالنبي ﷺ هو دليل على حبه ﷺ كما أن حب النبي ﷺ ركن وجزء من الإيمان وليس فضل من المسلم للنبي ﷺ.

وأشار فضيلة الدكتور عباس شومان إلى أن النبي ﷺ على الرغم من حلمه وصبره، إلا أنه كان يغضب ويثور عندما تنتهك حرمات الله، ومن الواجب علينا ان نقتدي به ﷺ في ذلك، فمن رأى تصرفا يخالف شرع الله عليه أن يستنكر هذا العمل وأن يطبق قول رسول ﷺ، للدفاع عن الدين: ” من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” مبينًا أن التغيير بالقوة متاح فقط للجهات المسؤولة عن تطبيق القانون، كالمؤسسات الحكومية المعنية بذلك.

وأوصى فضيلة الدكتور عباس شومان بأهمية وحدة الأمة الإسلامية وتكاتفها في مواجهة التحديات، مؤكدًا أن هذه الوحدة ليست مجرد شعار، بل هي منهج نبوي أصيل، وأشار إلى أن الاحتفال بميلاد النبي ﷺ يجب أن يكون فرصة لتجديد العهد على الاقتداء بسيرته، وليس فقط بالاحتفالات التقليدية، بل بتطبيق منهجه في حياتنا، وذلك من خلال تربية الأبناء على حسن الخلق والسلوكيات السليمة كما كان يفعل الرسول ﷺ في كل المواقف، فالميلاد النبوي ينبغي أن يكون منهاجًا للتعايش السلمي، وهو ما يتطلب منا تدارك القصور في تطبيق السنة النبوية في كل شيء في حياتنا.

جدير بالذكر أن الأسبوع الدعوي الذي تشرف عليه وتنظمه اللجنة العليا للدعوة بالأزهر الشريف، يهدف إلى تعزيز الوعي الديني الصحيح، ومواجهة الأفكار المتطرفة، ونشر تعاليم الإسلام السمحة، من خلال طرح علمي لنخبة من كبار العلماء والدعاة، ويعكس الأسبوع الدعوي حرص الأزهر الشريف على التواصل المباشر مع الجمهور، وتقديم الإرشاد الديني بطريقة مبسطة وميسورة.

يأتي ذلك وفق توجيهات فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب شيخ الأزهر، وباعتماد فضيلة أ.د محمد الضويني وكيل الأزهر، وبإشراف الدكتور عبد المنعم فؤاد المشرف العام على الأنشطة العلمية للرواق الأزهري بالجامع الأزهر، ود. هاني عودة مدير عام الجامع الأزهر.

زر الذهاب إلى الأعلى