مشاهد الإبادة والصدمة الأخلاقية.. الأزمات النفسية تقود جنود جيش الاحتلال الصهيوني إلى الانتحار
يشهد جيش الاحتلال الصهيوني في السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في معدلات الانتحار بين الجنود النظاميين والاحتياط، وهي ظاهرة تعكس أزمة عميقة لا تقتصر على الجانب النفسي أو الاجتماعي، بل تمتد إلى البنية الروحية والأخلاقية للقتال ذاته. فقد أظهرت إحصاءات صهيونية أن ما لا يقل عن 18 جنديًّا أقدموا على الانتحار منذ بداية عام 2025م، في حين سُجِّلت 21 حالة في عام 2024م، و17 حالة في عام 2023م (هآرتس، 2025م). هذه الأرقام المتصاعدة تكشف عن أزمة وجودية تضرب جيش الاحتلال، وتؤشر إلى خلل في مرتكزاته المعنوية والروحية، ونتناول الأبعاد المختلفة لتلك الأزمة، على النحو التالي:
أولًا: غياب البعد الروحي
والمعنى القتالي: إن أحد أبرز أسباب الانتحار يتمثل في افتقاد جنود الاحتلال للبعد الروحي والأخلاقي في القتال. ففي حين تبني الجيوش الوطنية شرعيتها المعنوية على الدفاع عن الأرض وحماية المقدسات، يواجه الجندي الصهيوني فراغًا روحيًّا قاتلًا، إذ يُدرك أنه يخوض حربًا عدوانية بلا قضية عادلة. هذا الغياب للمعنى يجعل التضحية فاقدة للقيمة، ويُولِّد شعورًا بعدم الجدوى، وبالاغتراب الوجودي، وهو ما ينعكس مباشرة في ارتفاع معدلات الانهيار النفسي والانتحار.
ثانيًا: الصدمة الأخلاقية ومشاهدة الإبادة:
إلى جانب الفراغ الروحي، يعاني الجنود من صدمة أخلاقية حادَّة ناجمة عن المشاركة المباشرة في عمليات قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير البيوت، وارتكاب أفعال تُصنَّف وفق القانون الدولي جرائمَ حرب. إن مشاهدة هذا القدر من الظلم والموت المجاني، وإدراك أنه يُنفَّذ بحق شعب أعزل، يولِّد ما يمكن تسميته بـ«النكسة الروحية»، حيث يفقد الجندي القدرة على التوفيق بين أفعاله وبين أي إطار أخلاقي أو إنساني.
ثالثًا: العوامل النفسية والاجتماعية:
إلى جانب الأسباب الروحية والأخلاقية، ثمة عوامل أخرى تُعمِّق الأزمة، من أبرزها:
اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): تشير بيانات رسمية إلى أن أكثر من 10 آلاف جندي يتلقون علاجًا نفسيًّا، بينهم 3769 مشخصين رسميًّا (Maariv ، 2025).
الاستدعاء المكثف لقوات الاحتياط: آلاف الجنود خدموا أكثر من 200 يوم خلال عام واحد، ما أدى إلى إنهاك بدني ونفسي وتفكك أسري (Times of Israel، 2025).
الأزمات الاقتصادية والاجتماعية: أفاد 41 % من جنود الاحتياط بأنهم فقدوا وظائفهم بعد عودتهم من الخدمة، كما أبلغت أسرهم عن تزايد معدلات العنف المنزلي والاكتئاب (ICE News، 2025).
قصور الدعم المؤسسي: اعترف مسؤولون في وزارة الحرب بأن كل حالة انتحار تُعد «فشلًا» في منظومة الدعم النفسي والاجتماعي للجيش (هآرتس، 2025).
رابعًا: التداعيات الاستراتيجية:
تصاعد مستمر: بلغ عدد المنتحرين 21 في عام 2024م، و18 في النصف الأول من 2025م، وهو ما يشير إلى اتجاه متنامٍ (هآرتس، 2025).
تراجع المعنويات العسكرية: توقع خبراء الكيان الصهيوني، مثل البروفيسور “يوسي ليفي بلاز”، موجة أكبر من الانتحارات في صفوف الاحتياط خلال السنوات المقبلة. انعكاسات مجتمعية: أظهرت تقارير بحثية أن نصف شباب كيان الاحتلال (18-34 عامًا) يعانون من تدهور حاد في صحتهم النفسية، نتيجة الحرب، بما في ذلك الانسحاب من التعليم والعمل وتفكك الروابط الأسرية (Maariv، (2025
وفي الختام،
إن الانتحار في صفوف جيش كيان الاحتلال الصهيوني لا يمكن تفسيره فقط من خلال ضغوط الحرب أو الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بل يكمن جوهره في الأزمة الروحية والأخلاقية التي يعيشها الجنود، إذ يقاتلون في حرب عدوانية بلا قضية عادلة، ويشهدون يوميًّا مشاهد ظلم وإبادة ضد المدنيين. هذه النكسة الروحية تمثل العامل الأكثر خطورة في تفسير الظاهرة، وتجعل من الانتحار مؤشرًا استراتيجيا على تآكل المنظومة المعنوية والقتالية للجيش الإسرائيلي. وبذلك، فإن استمرار الحرب والاحتلال لا يعني فقط مزيدًا من الخسائر المادية والبشرية، بل أيضًا تسارع انهيار الداخل النفسي والمعنوي للجنود، وهو ما قد يقود إلى أزمة وجودية أعمق لجيش الاحتلال الصهيوني.