الانتماء للوطن.. قيمة ومقتضيات( 5 ـ 5)
أ.د. إبراهيم صلاح الهدهد
المستشار العلمى لمنظمة خريجى الأزهر
من مقتضيات الانتماء للوطن
استقر الأمر على أن الانتماء للوطن قيمة شرعية، وهذا يوجب على كل مواطن عدة أمور منها:
1ـ الحفاظ على المرافق العامة: يجب أن يحافظ المواطن على مرافق بلده ولا يعتدى عليها، لأنها من مصالح البلد وأهله، فيحترمها ولا يعتدى عليها وقد جاء فى الحديث: «اتقوا اللاعنين» قالوا وما اللاعنان يا رسول الله قال: «الذى يتخلّى (أى: يقضى حاجته) فى طريق الناس وظلَّهم»، فشوارع البلد وطرقات البلد يجب أن تُصان، ولا يجعل فيها العراقيل التى تؤذى المارة «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا» (سورة الأحزاب: 58) وقال، صلى الله عليه وسلم، فى الحديث الذى رواه أبوداود فى سننه: «اتقوا الملاعنة الثلاث: البُراز فى الموارد (أماكن ورود الماء) وقارعة الطريق (الطرق التى يمشى فيها الناس) والظل» (والظل مايستظل به الناس من الشجر والحدائق والمرافق التى يتنفس فيها أهل البلد ويستريحون فيها ويستظلون بأشجارها) واتقوا الملاعن، أي: التى توجب اللعنة على من اعتدى عليها، فكيف بمن يدمر المرافق، ويخربها، زعمًا منه أنه ينتصر لقضايا الوطن فما هو والله إلا الضلال المبين، وهو الإفساد فى الأرض الذى نهى عنا ربنا تبارك وتعالى .
2ـ إماطة الأذى عن الطريق: هو من شعب الإيمان.. قال، صلى الله عليه وسلم،: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة أعلاها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» هذا لا فلا يجوز لأحد أن يقذّره عليهم، فما بالنا بمن يفجر ويخرب ويدمر؟!
3ـ الإحسان إلى جميع المواطنين والمعاهدين وكل من حصل على تأشيرة دخول والدبلوماسيين والسياح أيًا كانت دياناتهم: وهو ما تؤيده نصوص القرآن والسُنة قال سبحانه وتعالى: «وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ» (سورة النساء: 36) فجعل الجوار له حقًا من الحقوق العشرة المذكورة فى هذه الآية، وقد قال، صلى الله عليه وسلم: فى الحديث المرفوع الذى رواه البزار «الجيران ثلاثة جار له ثلاثة حقوق وهو الجار القريب المسلم له حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام وجار له حقان وهو الجار المسلم غير القريب له حق الإسلام وحق الجوار وجار له حق واحد وجار له حق واحد وهو الجار غير المسلم له حق الجوار»، فهذا دليل على أن الكافر إذا كان جارًا لك فإنك تحسن إليه له حق الجوار ولا تؤذه، هذا من المواطنة الشرعية التى أمر الله جل وعلا بها.
وكذلك لا يجوز الاعتداء على من دخل فى كفالة ولى الأمر أو أحد من المسلمين، فإنه يجب أن يحترم دمه وماله وحرمته، حتى يخرج من بلد المسلمين، الله جل وعلا قال: «وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ» (سورة الإسراء: 33) والنفس التى حرم الله، هى نفس المسلم ونفس المعاهد والمستأمن، فهى نفس حرم الله قتلها بدليل أن الله أوجب فى قتل المعاهد الكافر خطأ ما أوجبه فى قتل المسلم: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فإن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللّهِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا» (سورة النساء: 92)، فأوجب فى قتل الكافر المعاهد خطأً ما أوجبه فى قتل المسلم من الدية والكفارة، أما من قتل المعاهد متعمدًا، فهذا كما قال النبى، صلى الله عليه وسلم، فى حقه وذلك فى الحديث الذى رواه الشيخان: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين سنة»، أو كما قال، صلى الله عليه وسلم.
فالذى دخل بلاد المسلمين بإذن من ولى الأمر أو من خول له الإذن فإنه يكتسب حرمة النفس وحرمة المال ولا يؤذى حتى يخرج من بلد المسلمين، فهذا من المواطنة الشرعية حتى ولو كان المواطن كافرًا له حق الإقامة فى بلد المسلمين مادام مقيمًا فيها فله حق المواطنة الشرعية، فهذه أمور يجب على المسلمين أن يعرفوها.
4ـ وجوب إعمار الوطن: يجب على جميع المواطنين أن يعمروا بلادهم بطاعة الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ومنع الظلم فهذا مما يعمر البلاد، واستثمار جميع خيراته وإفلاح أرضه، وتشغيل مصانعه، وصون البيئة وغير ذلك مما يصدق عليه الإعمار وكل ما يكون به الإصلاح للبلاد، قال تعالى: «وَلاَ تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا» (سورة الأعراف: 56).
خلاصة القول إنه يجب أن يكون الانتماء ترجمة حقيقية لحب الوطن، فلا اعتداء على محبوب ولا إساءة له بأى مكروه، بل يجب معاملة الوطن كما تعامل من تحب، وكما تحب أن يعاملك من يحبك.